Oct 12, 2023
بريكس بلس: نحو عالم متعدد الأقطاب - روبرتو بيسيو
روبيرتو بيسيو
منسق الأمانة العامة - الراصد الاجتماعي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
روبيرتو بيسيو

بريكس بلس: نحو عالم متعدد الأقطاب - روبرتو بيسيو
 
 
 
ستكون بداية العام الجديد في الأول من كانون الأول/يناير 2024 بمثابة بداية لعالم متعدد الأقطاب، فهو اليوم الذي يتوسع فيه تحالف البريكس الذي يضم أكبر "الدول الناشئة" (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) مع إضافة الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والإمارات العربية المتحدة وربما المملكة العربية السعودية، التي دعيت للانضمام رسميًا، لكنها تماطل في الإعلان عن "القرار المناسب". هذا بالإضافة إلى تقدم 20 دولة أخرى بطلبات العضوية إلى المجموعة غير الرسمية، المعروفة مؤقتًا باسم "بريكس بلس" BRICS-Plus.
 
 
تعتبر البريكس مجموعة غير رسمية تجتمع على مستوى القمة مرة في السنة، ويتولى المضيف بالمناوبة أعمال الرئاسة، ويشكل مع الرئيس السابق والرئيس التالي "ترويكا" تهتم بإعداد جدول أعمال الاجتماع التالي. ليس لدى المجموعة مقرًا رئيسيًا، ولا أمانة عامة، ولا لوائح داخلية رسمية... أي تعتمد نفس تنسيق مجموعة السبع بالضبط، وهي مجموعة شكلتها كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في عام 1975، للتعامل مع الفوضى الناجمة عن القرار الأحادي الذي اتخذه الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بإنهاء معيار الذهب. وكانت اتفاقيات بريتون وودز عام 1944 قد جعلت من الدولار الأمريكي العملة المعتمدة عالميًا من خلال اعتماد نظام أسعار الصرف الثابتة وإلزام وزارة الخزانة الأمريكية ببيع 1/35 من أوقية الذهب مقابل كل دولار يقدمه أي مالك محلي أو أجنبي. وفي مواجهة التكاليف المرتفعة لحرب فيتنام واستنفاد احتياطيات الذهب، مع تفضيل البلدان السبائك على النقود الورقية في خزائنها، رفعت الولايات المتحدة سعر الذهب إلى 38 دولارًا ثم إلى 42 دولارًا في عام 1973. وعندما ثبت أن هذا غير كاف، أصبح الدولار عملة حرة وقفز الذهب إلى 183 دولارًا للأونصة.
 
 
تجنبًا للفوضى المالية، بدأت الاقتصادات السبعة الكبرى (في ذلك الوقت) في تنسيق سياساتها في اجتماعات شبه سرية لوزراء ماليتها، أعقبها مزيد من "تجمعات الأندية" على مستوى رؤساء الدول.
 
 
وتضم مجموعة السبع ثلاث دول تتمتع بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وكانت تتمتع بأغلبية حصص التصويت في مؤسسات بريتون وودز. وعلى مر السنين، أدت عمليات إعادة تخصيص الحصص إلى خفض هذه النسبة إلى 40% (الولايات المتحدة 16%، واليابان 7%، وألمانيا 4%، والمملكة المتحدة 3.8%، وفرنسا 3.8%، وإيطاليا 2.7%، وكندا 2.5%). وعمل هذا "اللانظام" من الاجتماعات المخصصة على الإبحار عبر الأزمة اللاحقة دون إعادة صياغة التمويل العالمي حتى عام 2008، عندما عجزت مجموعة السبع وحدها عن التعامل مع انهيار البنوك الغربية، وتم إنشاء مجموعة العشرين.
 
 
كان أحد القرارات الأولى التي اتخذتها مجموعة العشرين في عام 2010 هو زيادة القوة التصويتية للدول النامية في مؤسسات بريتون وودز، لكن إعادة توزيع الحصص لا تزال هامشية. وتتطلب القرارات المهمة في تلك المؤسسات أغلبية 85%، وتعارض الولايات المتحدة أي تخفيض في حصتها إلى ما دون عتبة 15% التي تضمن لها حق النقض. ويمكن لأعضاء مجلس إدارة صندوق النقد الدولي والبنك في الاتحاد الأوروبي أيضًا استخدام حق النقض ضد أي قرار إذا عملوا معًا. ولتمرير القرارات، حيث تكون الأغلبية مطلوبة، تنسق مجموعة السبع بالإضافة إلى ذلك مع هولندا وبلجيكا والسويد وسويسرا فيما يسمى بمجموعة العشرة، وهو رقم لا يتوافق مرة أخرى مع المجموع الفعلي للمشاركين.



وعادة ما تسبق اجتماعات وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة السبع ومجموعة العشرة اجتماعات الربيع والخريف التي يعقدها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وكثيراً ما تتم دعوة رؤساء مؤسسات بريتون وودز، لتزويدهم بالتعليمات.
 
 
وتظهر دراسات مختلفة أن وزراء ونواب مجموعة السبع يتم إبلاغهم بانتظام بقرارات صندوق النقد الدولي من قبل كبار المسؤولين فيه من خلال المكالمات الجماعية. ويقوم المديرون التنفيذيون لبلدان مجموعة السبع ومجموعة العشرة بالتنسيق فيما بينهم ومواءمة مواقفهم في عدد كبير من القضايا.
 
 
وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش هذه البنية المالية العالمية بأنها "قد عفا عليها الزمن، ومخلخلة، وغير عادلة"، واعتبر أنها "فشلت في مهمتها المتمثلة في توفير شبكة أمان عالمية للدول النامية". وفي كلمتها أمام قمة ميثاق التمويل العالمي الجديد، المنعقد في باريس في حزيران/يونيو 2023، أعربت ميا موتلي، رئيسة وزراء بربادوس، عن شعور مشترك لزعماء الجنوب عندما طالبت "بالتحول المطلق لمؤسساتنا، لا مجرد الإصلاح"، في إشارة إلى الأمم المتحدة، وبنوك التنمية المتعددة الأطراف، وأضافت: "نحن لا نتحدث فقط عن الحاجة إلى المال، بل نتحدث عن الحاجة إلى إصلاح أنظمة الحوكمة".
 
 
أما الإحباط الناجم عن استبعادهم من المشاركة الرئيسية في إدارة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فقد دفع مجموعة البريكس إلى إنشاء بنك التنمية الجديد التابع لها "بهدف تعبئة الموارد لمشاريع البنية التحتية والتنمية المستدامة في الأسواق الناشئة والبلدان النامية".
 
 
ويبلغ رأس مال بنك التنمية الجديد 50 مليار دولار مبدئيًا، مقسمة بالتساوي بين الدول الخمس المؤسسة، بينما يبلغ رأس مال البنك الدولي 280 مليار دولار. لكن بنك التنمية الجديد يعتزم توسيع رأسماله إلى 100 مليار دولار على المدى القصير، ويمكن النظر في المزيد من توسيع رأس المال في عام 2025.
 
 
وحتى قبل قرار آب/أغسطس الماضي بتوسيع مجموعة البريكس، بدأ بنك التنمية الجديد بتوسيع العضوية في عام 2021، وضم بنغلاديش ومصر والإمارات العربية المتحدة، بمتوسط حصة 2% لكل منها. أما اليوم، فالأوروغواي بصدد الانضمام، كما تجري المملكة العربية السعودية محادثات لكسب العضوية.
 
 
لتجنب مشاكل الإدارة غير العادلة التي تؤثر على بنوك التنمية الأخرى، تنص اتفاقية بنك التنمية الجديد على أنه يمكن لجميع أعضاء الأمم المتحدة الانضمام، ولكن لا يمكن لأي عضو جديد أن يحصل على أكثر من 7 في المائة من الأسهم، ولا يمكن أن يتجاوز إجمالي أصوات الأعضاء غير المقترضين 20 في المائة. ومع انضمام الأعضاء الجدد، ينبغي ألاّ تقل الحصة المتناقصة للمؤسسين الأوائل عن 55%.
 
 
وكان بنك التنمية الجديد قد قام بتقديم ما يعادل 33 مليار دولار (حوالي ثلث قروض البنك الدولي) لـ 96 مشروعًا في الأشهر الأولى من عمله. وأتى نحو ثلث هذا الإقراض بعملات غير الدولار الأمريكي، كما بدأ البنك بالفعل في إصدار سندات في الأسواق الدولية بعملات المؤسسين. وهذا يتوافق مع الجهود التي تبذلها دول البريكس للتخلي عن الدولار الأمريكي في التداول داخل المجموعة.
 
 
وتشكل هذه القدرة على تعبئة التمويل والإقراض من دون الشروط الثقيلة التي تفرضها عادة مؤسسات بريتون وودز جزءًا من جاذبية البريكس لبلدان الجنوب العالمي. ويتعزز هذا النداء من خلال التأكيد المستمر من جانب مجموعة البريكس على أنها ليست "تصادمية".
 
 
ونحو ثلث هذا الإقراض ليس بالدولار الأمريكي، وقد بدأ بنك التنمية الجديد بالفعل في إصدار سندات في الأسواق الدولية بعملات المؤسسين. وهذا يتوافق مع الجهود التي تبذلها دول البريكس للتخلي عن الدولار الأمريكي في التداول داخل المجموعة.
 
 
وتشكل هذه القدرة على تعبئة التمويل والإقراض من دون الشروط الثقيلة التي تفرضها عادة مؤسسات بريتون وودز جزءا مما يجعل مجموعة البريكس جذابة لبلدان الجنوب العالمي، وهي جاذبية تتعزز من خلال التأكيد المستمر من جانب مجموعة البريكس على أنها ليست "صدامية".
 
 
لكن هذه الرسالة ليست دائمًا مفهومة أو موثوقة. لذا، فقد أعلن اثنان من المرشحين الثلاثة الذين يخوضون الحملات الرئيسية الحالية في الأرجنتين، وهي واحدة من الأعضاء الجدد في مجموعة البريكس، عن نيتهما التخلي عن المجموعة في حالة الفوز. وهذا يدل على رؤية للعالم منقسمة بشدة إلى كتل أيديولوجية، كما هو الحال في الحرب الباردة الجديدة، حيث ليس بوسع الدول الصغيرة سوى اختيار الجانب الذي تريد أن تكون جزءًا منه.
 
 
ويتناقض هذا مع موقف الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الذي وصفته الصحافة الأوروبية، بعد الإشادة بانتصاره على النيوالفاشي بولسونارو، بأنه "مخادع"، بسبب دعوته إلى السلام عن طريق التفاوض في أوكرانيا. بعد وقت قصير من حضور اجتماع جوهانسبرغ الذي فاجأ العالم بإعلانه توسع مجموعة البريكس، التقى بالرئيس الأمريكي جو بايدن وأعلن كلاهما عن شراكة من أجل حقوق العمال، باعتبارها "أول مبادرة عالمية مشتركة بين الولايات المتحدة والبرازيل لتعزيز حقوق العمال في جميع أنحاء العالم."
 
 
والرسالة الموجهة إلى معظم البلدان الصغيرة والمتوسطة الحجم واضحة. بدلاً من تعميق الانقسامات، ينبغي أن نترقب ظهور عالم متعدد الأقطاب باعتباره فرصة لإحداث تغييرات في نظام عالمي يفتقد إلى العدالة إلى حد كبير.
 
 
روبرتو بيسيو، منسق الراصد الاجتماعي
 


احدث المنشورات
Dec 03, 2024
الديون السيادية في المنطقة العربية: بين استدامتها وعدالة السياسات الضريبية - أحمد محمد عوض
Dec 02, 2024
فشل الكوب 29 في حشد التمويل كما في الحشد الدولي لانقاذ المناخ - حبيب معلوف