Nov 19, 2025
مقاومة بالحياة: من تحديات الحرب إلى اقتحام العتمة - جيهان ابوزيد
جيهان أبو زيد
خبيرة في النوع الإجتماعي وحقوق الإنسان

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
جيهان أبو زيد

مقاومة بالحياة: من تحديات الحرب إلى اقتحام العتمة  - جيهان ابوزيد

 

في عالم تتصدع فيه أركان المنظومة الدولية، وتُختبر مصداقية القانون الدولي أمام مشاهد الإبادة والتطهير العرقي في غزة والسودان، تبرز أزمة ثقة عميقة لا تُغفل. فالعجز عن مواجهة الانتهاكات الجسيمة، إلى جانب استخدام الفيتو الأمريكي المتكرر، يكشف ازدواجية المعايير ويوجه ضربات موجعة لشرعية النظام العالمي برمته. في هذا السياق، تظهر السردية الفلسطينية والعربية متقدمة بفعل حراك شعبي عالمي غير مسبوق، بينما تظل الأجندات الدولية الرسمية، كمؤتمرات وضع المرأة في نيويورك، منفصلة عن واقع النساء في مناطق الصراع.


في هذا الإطار، تأتي نشرة نوفمبر 2024، تزامنًا مع حملة الـ16 يومًا العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة، لتعرض تقارير وتحليلات من عدة بؤر جغرافية، تربط بين العنف المباشر والأشكال البنيوية والاقتصادية والبيئية التي تستهدف النساء.


ففي غزة، يندرج العنف ضمن سياق ممنهج يستهدف المنظومة الصحية والقدرة الإنجابية للنساء، بينما يُستخدم الاغتصاب كسلاح حرب في السودان، حيث تتعرض ملايين النساء والفتيات لانتهاكات جسيمة وسط صمت دولي. وفي تونس، تكشف التجربة عن مفارقة صارخة: وصول امرأة لرئاسة الحكومة لأول مرة في العالم العربي، بينما تراجعت نسبة تمثيل النساء في البرلمان إلى النصف، مما يؤكد أن التواجد الرمزي لا يعني بالضرورة مشاركة سياسية فعلية أو كسرًا للبنى الأبوية.


أما في المغرب، فتتحول الأزمة المناخية الحادة إلى اختبار حقيقي للعدالة الاجتماعية والنوعية، حيث تتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر لندرة المياه، مما ينعكس سلبًا على تعليمهنّ، وصحتهنّ، واستقلاليتهنّ الاقتصادية. هذه الأزمة البيئية تذكرنا بأن العنف لا يقتصر على الأفعال المباشرة، بل يشمل أيضًا إفقار النساء وتهميشهن في السياسات العمومية.


في موازاة هذه التقارير، يقدم تقرير المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء تحليلاً جوهرياً لكيفية "محو" الجسد الأنثوي من الخطاب والسياسات العامة، سواء عبر استخدام لغة محايدة تتفادى مصطلح "امرأة"، أو من خلال الثقافة العربية التي تختزل جرائم قتل النساء في إطار "جرائم الشرف". هذا المحو المنهجي لا يضعف الحماية القانونية فحسب، بل يقصي النساء من نطاق العدالة بشكل خطير.


كما يتقاطع هذا مع التحديات الاقتصادية التي تواجهها النساء في الجنوب العالمي، حيث يحوّلهن الخطاب التنموي إلى مؤشرات رقمية، معيداً إنتاج التبعية عبر آليات التمويل الدولي. وهذا يظهر جليًا في تقرير شبكة "رؤى" النسوية الذي ينتقد المشاركة الشكلية في المؤتمرات الأممية، ويدعو إلى عقد مؤتمر عالمي خامس للمرأة يضمن مشاركة حقيقية للنساء في الجنوب.


أخيرًا، يبقى التضامن النسوي الإقليمي والدولي مسألة محورية، خاصة في ظل التحولات السياسية والاجتماعية الراهنة. فالتضامن الحقيقي ليس مجرد دعم عاطفي، بل هو ممارسة سياسية راديكالية تتطلب بناء تحالفات تتجاوز الحدود والهويات والطبقات، وتعمل على تفكيك الخطابات السائدة والبنى الاستعمارية والنيوليبرالية.


ختامًا، تشكل هذه القراءات المتقاطعة خريطة واضحة لأبرز التحديات التي تواجه النساء في المنطقة العربية. إنها دعوة إلى تبني رؤية متكاملة تربط بين القضايا الوطنية والتحرر النسوي، وبين النضال من أجل العدالة البيئية والاجتماعية وبين المطالبة بفضاء سياسي حقيقي للنساء. فالمكاسب، كما تذكرنا هذه النماذج، لم تأتِ من فراغ، بل هي ثمرة نضال جماعي متواصل، يستدعي منا اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إعادة تعريف التضامن وآلياته، لمواجهة التحولات المصيرية التي تمس مصائرنا جميعًا



احدث المنشورات
Nov 19, 2025
تعزيز التعددية من أجل التنمية: نحو مراجعة لدور مؤسسات بريتون وودز في عالم يتصاعد فيه الاستقطاب - حسن شرّي
Nov 17, 2025
التضامن النسوي: دعوة إلى النقاش - منار زعيتر