Dec 22, 2025
إدماج الإعاقة في الرعاية والتنمية في لبنان - زينب قرعوني

إدماج الإعاقة في الرعاية والتنمية في لبنان - زينب قرعوني


يُعدّ إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة قضيةً أساسية من قضايا حقوق الإنسان والتنمية، ولا سيما في السياقات الهشّة والمتأثرة بالأزمات مثل لبنان. واستنادًا إلى خلاصات أسبوع الدراسة للجنوب العالمي الذي نظمته الشبكة  (ANND) عام 2025، يجمع هذا المقال بين التأمل الشخصي والتعلّم الجماعي لاستكشاف ما يعنيه إدماج الإعاقة عمليًا، وكيف يتقاطع مع مفاهيم الرعاية والتنمية في لبنان، وما الدروس التي يمكن أن تُرشد سياسات ومقاربات أكثر شمولًا.

ومن خلال تقريب النقاشات الإقليمية ونقاشات الجنوب العالمي من السياق اللبناني، يسلّط هذا التأمل الضوء على التجارب المعيشة للأشخاص ذوي الإعاقة وعائلاتهم، وعلى العوائق البنيوية التي يواجهونها. ويؤكد أن الرعاية والتنمية لا يمكن التعامل معهما كمسارين منفصلين، وأن الإدماج الحقيقي شرط أساسي لبناء مجتمع أكثر عدالة وقدرة على الصمود وإنسانية.

ما هو إدماج الإعاقة؟

يشير إدماج الإعاقة إلى المشاركة الكاملة والتمتع المتساوي بالحقوق من قبل الأشخاص ذوي الإعاقة في جميع جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. ويتطلب ذلك إزالة الحواجز الاجتماعية والمؤسساتية والمادية التي تعيق المشاركة وتحدّ من الفرص. وفي السياق اللبناني، لا يُعد إدماج الإعاقة مسألة حقوق فحسب، بل مسألة كرامة وقدرة على الصمود، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتداخلة.

يتجاوز الإدماج الحقيقي منطق الإحسان أو المساعدة، ليركّز على التمكين والاستقلالية، والاعتراف بالأشخاص ذوي الإعاقة كأعضاء فاعلين في المجتمع ووكلاء للتغيير.

الرعاية وإدماج الإعاقة في لبنان

لا تزال أنظمة الرعاية المرتبطة بالإعاقة في لبنان إلى حدّ كبير غير رسمية ومجزأة. وتقع مسؤولية الرعاية بشكل غير متكافئ على عاتق الأسر، وبشكل خاص على النساء، ما يعزز اللامساواة الجندرية ويضع أعباءً نفسية واقتصادية كبيرة على الأسر.

وعلى الرغم من أن القانون رقم 220 (2000) يحدد حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، فإن تطبيقه في إطار خدمات الرعاية لا يزال ضعيفًا. ولا تزال الرعاية المؤسساتية هي السائدة، في حين تبقى البدائل المجتمعية محدودة من حيث الحجم والتغطية. وتقدّم بعض المنظمات غير الحكومية نماذج واعدة للرعاية المنزلية والرعاية الدامجة، إلا أن هذه المبادرات غالبًا ما تفتقر إلى التمويل المستدام والانتشار الوطني.

ويُعد تعزيز الرعاية القائمة على المجتمع أمرًا أساسيًا للحد من الإيداع غير الضروري في المؤسسات، ودعم العيش المستقل، وتعزيز الكرامة والإدماج.

التنمية والإدماج في لبنان

يرتبط إدماج الإعاقة ارتباطًا وثيقًا بنتائج التنمية الوطنية. فخطة التعليم الخمسية في لبنان تتضمن التزامات بالتعليم الدامج، إلا أن العديد من الأطفال ذوي الإعاقة لا يزالون يواجهون عوائق أمام الالتحاق بالمدارس والاستمرار فيها والحصول على تعليم ذي جودة، بسبب ضعف إمكانية الوصول إلى البنى التحتية، ونقص الكوادر التعليمية المدرّبة، وغياب خدمات الدعم الكافية.

أما في سوق العمل، فيتجلى الإقصاء بشكل واضح، إذ يُقدّر أن 86% من الأشخاص ذوي الإعاقة في لبنان عاطلون عن العمل، ما يعكس التمييز البنيوي، وعدم توافر أماكن عمل مهيّأة، ومحدودية الوصول إلى التدريب المهني. وتشكل بعض الخطوات الأخيرة، مثل مبادرة إقرار مخصّص وطني للإعاقة، تقدمًا مهمًا في مجال الحماية الاجتماعية، إلا أن التغطية والملاءمة لا تزالان من التحديات الأساسية.

وفي المقابل، تبرز أمثلة إيجابية متزايدة. فالمدارس الدامجة، وبرامج التدريب المهني الميسّرة، والمبادرات التي يقودها أشخاص ذوو إعاقة، تثبت أن الإدماج ممكن عندما تتكامل السياسات مع الموارد والإرادة السياسية.

التحديات الرئيسية التي تواجه إدماج الإعاقة

لا تزال عدة تحديات بنيوية تعيق إدماج الإعاقة في لبنان، وقد عكست العديد منها النقاشات التي شهدها أسبوع الدراسة للجنوب العالمي، ومنها:
• محدودية إمكانية الوصول في البنى التحتية العامة ووسائل النقل والخدمات الرقمية
• ضعف تطبيق القوانين والسياسات المتعلقة بالإعاقة ونقص تمويلها
• استمرار الوصم والمواقف الاجتماعية السلبية تجاه الإعاقة
• غياب البيانات الموثوقة والمصنّفة حسب الإعاقة لدعم السياسات
• إقصاء الأشخاص ذوي الإعاقة من عمليات صنع القرار والاستجابة للطوارئ

وتتفاقم هذه التحديات بشكل خاص في أوقات الأزمات، حيث غالبًا ما يكون الأشخاص ذوو الإعاقة من الأكثر تضررًا والأقل استشارة. وقد شدد أسبوع الدراسة على أن هذه التحديات ليست قضايا وطنية معزولة، بل جزء من أنماط بنيوية أوسع في بلدان الجنوب العالمي.

توصيات سياسات من أجل لبنان أكثر شمولًا

يتطلب تحقيق إدماج فعلي للأشخاص ذوي الإعاقة عملًا منسقًا ومستدامًا. وتشمل الأولويات الأساسية للسياسات ما يلي:

• تطبيق القانون 220 وتعديله عند الحاجة، مع تحديد واضح للصلاحيات، وآليات للمساءلة، وتمويل مخصص
• تطوير وتوسيع أنظمة الرعاية المجتمعية الحساسة للنوع الاجتماعي
• تعزيز التعليم الدامج من خلال تدريب المعلمين، وتحسين البنى التحتية، وتوفير خدمات الدعم
• توسيع وتثبيت تدابير الحماية الاجتماعية، بما في ذلك مخصص الإعاقة
• جمع واستخدام بيانات مصنفة حسب الإعاقة في مختلف القطاعات
• تحسين إمكانية الوصول في الخدمات العامة ووسائل النقل والتكنولوجيا
• ضمان المشاركة الفعلية للأشخاص ذوي الإعاقة في صنع السياسات، والتخطيط التنموي، والاستعداد للطوارئ

الخلاصة

يؤكد هذا التأمل، المستوحى من أسبوع الدراسة للجنوب العالمي الذي نظمته الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية للتنمية، رسالةً مركزية مفادها أن إدماج الإعاقة ليس قضية مستقلة أو محصورة بقطاع معين، بل هو جزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة.

وحتى يتمكن لبنان من التعافي وإعادة البناء، يجب إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل كامل — ليس فقط كمستفيدين من برامج الرعاية أو التنمية، بل كقادة وصنّاع قرار يساهمون في صياغة السياسات والاستجابات وصناعة المستقبل. ويتطلب ذلك عملًا مشتركًا بين الدولة والمجتمع المدني والشركاء الدوليين، يستند إلى التجارب المعيشة وقيادة الأشخاص ذوي الإعاقة أنفسهم.

ومن هنا، يصبح من المهم التأكيد على أن لبنان الشامل ليس أكثر عدالة فحسب، بل هو أيضًا أقوى وأكثر قدرة على الصمود، وأفضل استعدادًا لمواجهة الأزمات والتحولات.

احدث المنشورات
Dec 22, 2025
الأرجنتين وصندوق النقد الدولي: تاريخ طويل من التبعية المالية والمقاومة الاجتماعية - توماس باتاغلينو
Dec 22, 2025
ما بعد العمل غير المرئي: إعادة تأطير الرعاية والتنمية - لينا أيوب