Feb 02, 2024
السلطات اللبنانية غائبة عما يحصل جنوباً - فاروق المغربي
فاروق المغربي
محامي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
فاروق المغربي

السلطات اللبنانية غائبة عما يحصل جنوباً - فاروق المغربي


بدأت الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان في اليوم التالي لعملية طوفان الاقصى، كان عصام عبدالله والصحافيين الجرحى هم اول ضحايا هذه الاعتداءات حيث قُتل عصام وجُرح ستة صحافيين آخرين بتاريخ 13 اكتوبر 2023 بعد قصف متعمد من إسرائيل على موقعهم، وبعدها توالت الاعتداءت من قصف حقول الزيتون بالفوسفور الابيض وحرقها[i] الى قتل المدنيين من بينهم ثلاثة اطفال وجدّتهم[ii] ، الى قتل مراسلي تلفزيون الميادين[iii] ، الى قصف البيوت الآمنة، الى التهديد على لسان مسؤولين إسرائيليين بتدمير بيروت وبأن يلقى لبنان نفس مصير غزة[iv] .


ماذا فعلت السلطات اللبنانية؟

للأسف فبعد ان تخلّت الدولة اللبنانية عن واجبها بحماية الاراضي والمواطنين اللبنانيين، تخلّت ايضاً عن الحد الادنى عن مسؤولياتها القانونية والدبلوماسية بما يشعر اللبنانيين عموما وسكان الجنوب والضحايا بشكل خاص ان لهم دولة تقلق على مصالحهم وتعمل على تحصيل حقوقهم.


كنا نتوقع ان تكون الدولة اللبنانية خليّة نحل قانونية ودبلوماسية همّها التخطيط والعمل لملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين وادانتهم دولياً، ولكن اكتفت الحكومة اللبنانية كعادتها بتقديم الشكاوى لدى مجلس الامن كإجراء روتيني فيه الى حدٍ ما رفع للعتب.


ماذا يمكن للحكومة اللبنانية ان تفعل؟

على الحكومة اللبنانية البدء فوراً بتوثيق جميع الاعتداءات الاسرائيلية وفق معايير وبروتوكولات عالمية تستعملها لجان التحقيق وتقصّي الحقائق وذلك عبر تفعيل عمل لجنة القانون الدولي الانساني او تفعيل عمل لجنة إعداد التقارير ومتابعة التوصيات الصادرة عن لجان المعاهدات التي انشئت بموجب المرسوم رقم 3268 تاريخ 28/6/2018 وتمكين اعضاءها من القيام بمهامهم او حتى إنشاء أيّة آلية تراها الحكومة مناسبة.


بعد توثيق كل الاعتداءات يجب ان ينطلق عمل الحكومة في اربعة اتجاهات، الأول اللجوء الى الاجراءات الخاصة ومجلس حقوق الانسان في الأمم المتحدة، والثاني اللجوء الى محكمة العدل الدولية، والثالث اللجوء الى المحكمة الجنائية الدولية، والرابع اللجوء الى الإختصاص العالمي للمحاكم الوطنية.


بالنسبة للاتجاه الأول

- يقتضي على الحكومة اللبنانية مساندة الضحايا ومساعدتهم بالخبرات المطلوبة  لتقديم بلاغات الى المقررين الخاصين  لدى الأمم المتحدة المعنيين في ملف الاعتداءات الاسرائيلية وهم خبراء مستقلون يتم تعيينهم من قبل مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة ويكون تعيينهم على اساس اختصاص في المنطقة الجغرافية او على اساس اختصاص في موضوع معيّن من مواضيع حقوق الانسان[v] ، على سبيل المثال المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية التعبير والرأي، والمقررة الخاصة المعنية بالمدافعين عن حقوق الانسان، والمقرر الخاص المعني بالقتل خارج القانون نشروا بتاريخ 14/1/2024 الرسالة المشتركة التي كانوا قد ارسلوها لاسرائيل بخصوص قتل الصحافي عصام عبدالله  وجرح ستة صحافيين آخرين، وهناك مقررين خاصين آخرين يقتضي مراسلتهم مثل المقرر الخاص المعني بحقوق الانسان للمشردين داخلياً، والمقرر الخاص المعني بحقوق الانسان والبيئة.


- البدء بعمل دبلوماسي جدّي لتشكيل لجنة تقصّي حقائق من مجلس حقوق الانسان أسوةً بما حصل في حرب تموز من العام 2006[vii] ، حيث تم التقدم حينها بالطلب من قبل ممثل تونس باسم المجموعة العربية والمؤتمر الاسلامي، فالمجلس يعقد ثلاث دورات عادية كل سنة في شباط – آذار، حزيران - تموز، ايلول- تشرين الأول، ووفقاً للفقرة 10 من قرار الجمعية العامة 60/251، تاريخ 15 آذار 2006[viii] ، يجوز لمجلس حقوق الانسان عقد دورات استثنائية، بناء على طلب من أحد أعضاء في حال حظي الطلب بتأييد ثلث الاعضاء.


من هنا يقتضي الواجب على الحكومة ان تقوم بجهد دبلوماسي بهذا الخصوص لحصد الثلث لجلسة استثنائية والتصويت على لجنة تقصي حقائق، وان يتم التركيز ان تُعطى اللجنة الحق بأن تصدر لائحة جناة محتملين حتى ولو بقيت سرية وهذا الاجراء جداً مهم لامكانية المحاسبة في المستقبل في ظل عدم تقادم جرائم الحرب.


بالنسبة للاتجاه الثاني

يمكن للدولة اللبنانية مقاضاة إسرائيل امام محكمة العدل الدولية وفقاً للمادة 9 من اتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية في ظل التهديدات الاسرائيلية المتتالية بتدمير لبنان اسوةً بغزة حيث ان المادة الثالثة من نفس الاتفاقية تعاقب على التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة الابادة الجماعية وعندها تطلب الدولة اللبنانية وفقاً للمادة 8 من الاتفاقية إلى أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تتخذ، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، ما تراه مناسباً من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة[ix]، هذا إجراء قد تفسره المحكمة بأنه تحريض على الابادة وقد لا تفسره ولكن يقتضي على الحكومة اللبنانية القيام بواجباتها لحفظ سيادتها، خاصة بعد دعوى جنوب إفريقيا  ولا سيما امام تكامل المشهد الحربي في غزة وجنوب لبنان.


بالنسبة للاتجاه الثالث

هذا الاتجاه يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية وحيث لانعقاد اختصاص المحكمة يجب ان تكون الدولة المدعية امامها طرفاً في نظام روما وهو النظام الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية بالاضافة الى ان تكون هذه الجرائم من الجرائم التي هي من اختصاص المحكمة وان تتوافر فيها صفة الجسامة ايضاً[x].


ولكن لبنان ليس طرفاً في هذه الاتفاقية وبالتالي نحن امام حلّين، الاول هو بتصديق الإتفاقية من مجلس النواب وهو أمر شبه مستحيل، والحل الثاني هو الاستناد على نص المادة 12 بند 3 من نظام روما الذي يجيز اللجوء الى المحكمة دون تصديق مسبق من مجلس النواب ولكن ذلك يتطلب إرسال إعلام رسمي من الحكومة اللبنانية للمحكمة يعطيها صلاحية النظر في الجرائم الواقعة في فترة زمنية معينة وهذا الامر قد قامت به اوكرانيا بعد الهجوم الروسي على اراضيها في العام 2014[xi].


بالنسبة للاتجاه الرابع

يتعلق بالاختصاص العالمي للمحاكم الوطنية حيث ان هذا  الاجراء القانوني يتعلق بالمسؤولية الجنائية للافراد وليس للدول، فالإختصاص العالمي يعني قدرة المحاكم الوطنية على محاكمة الافراد بغض النظر عن جنسيات المرتكبين المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة مثل جرائم الإبادة أو الجرائم ضد الإنسانية أو جرائم الحرب، حيث انه مؤخراً صدر اكثر من حكم بحق ضباط سوريين من محاكم المانية وهولندية وايضاً لا يمكن ان نغفل مذكرة التوقيف التي صدرت من القضاء الفرنسي بحق الرئيس السوري بشار الاسد، وعلى هذا الاساس يجب ملاحقة الضباط والمسؤولين الاسرائيليين المرتكبين جرائم بحق الشعب اللبناني في دول اخرى.


في هذه الحالة، على الدولة اللبنانية ان تؤمن المساعدة القانونية للضحايا للتقدم بدعاويهم خارج لبنان ضد ضباط ومسؤولين اسرائيليين، وان تقدم الدعم الفني وهي التحقيقات والادلة التي تثبت تورط المسؤولين والضباط الاسرائيليين بهكذا جرائم وهذا الدعم لا يمكن ان يتم دون عملية توثيق وتحقيق دقيقة ومحترفة وفقاً للبرتوكولات العالمية ولا شك انه يجب التواصل مع اليونفيل للقيام بدوره وفقاً للقرار 1701 وهو رصد وقف الاعمال القتالية[xii] من خلال إجراء تحقيقات شفافة وعلنية لكل الانتهاكات الاسرائيلية.


الدولة اللبنانية امام تحدٍ كبير لتثبت انه لا زال هناك نواة دولة يمكن البناء عليه في زمن تحلل المؤسسات بكاملها.


فاروق المغربي


مراجع:

[i]- https://www.amnesty.org/en/latest/news/2023/10/lebanon-evidence-of-israels-unlawful-use-of-white-phosphorus-in-southern-lebanon-as-cross-border-hostilities-escalate/
[ii]- https://www.aljazeera.net/news/2023/11/5/%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-64
[iii]- https://www.ifj.org/media-centre/news/detail/category/press-releases/article/lebanon-israeli-strike-kills-al-mayadeen-tv-reporter-and-cameraman-in-tayr-harfa
[iv]- https://www.youtube.com/watch?v=8iTw6Z07SQU&ab_channel=TheTimesandTheSundayTimes
[v]- https://www.ohchr.org/en/special-procedures-human-rights-council
[vi]- https://spcommreports.ohchr.org/TmSearch/SearchCode?code=ISR%2012/2023;ISR%2010/2023
[vii]- https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/LTD/G06/133/00/PDF/G0613300.pdf?OpenElement
[vii]- https://www.ohchr.org/ar/publications/policy-and-methodological-publications/united-nations-human-rights-council-practical
[ix]- https://www.icrc.org/ar/doc/resources/documents/misc/62sgrn.htm
[x]- https://www.icc-cpi.int/sites/default/files/iccdocs/otp/OTP-Policy_Paper_Preliminary_Examinations_2013-ENG.pdf
[xi]- https://www.icc-cpi.int/news/ukraine-accepts-icc-jurisdiction-over-alleged-crimes-committed-20-february-2014#:~:text=Today%2C%208%20September%202015%2C%20the,territory%20since%2020%20February%202014.
[xii]- https://peacemaker.un.org/sites/peacemaker.un.org/files/IL-LB_060814_SCR1701%28ar%29.pdf


احدث المنشورات
Apr 08, 2024
السياسة المالية العامة ومستويات الأسعار والأجور في بلدان عربية مختارة ‪-‬ د. نصر عبد الكريم
Apr 08, 2024
الفقر واللامساواة في البلدان العربية: الواقع والسياسات - اديب نعمه
منشورات ذات صلة
Oct 14, 2022
الانهيار الاقتصادي، غياب الحماية الاجتماعية، والمساعدات الدولية - أولغا جبيلي
Jan 04, 2023
النشرة الشهرية لشهر كانون الاول / ديسمبر 2022