Jan 23, 2023
مرصد الفضاء المدني - السودان: الفضاء المدني ومعالم الحراك والتعبير

مرصد الفضاء المدني

التقارير الوطنية حول الفضاء المدني لعام 2022

مرصد الفضاء المدني - السودان: الفضاء المدني ومعالم الحراك والتعبير 

تشرين الثاني/ نوفمبر 2022


إعداد: قصي همرور وإحسان بابكر 



الرجاء الضغط هنا لتحميل التقرير.



في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قام الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة في السلطة الإنتقالية والقائد الأعلى للقوات المسلّحة، بانقلاب على السلطة الإنتقالية (مع قبول أو تواطؤ عددٍ من أعضاء مجلس السيادة وعددٍ من الحركات المسلّحة التيوقّعت إتفاق جوبا للسلام)، وهي السلطة عينها التي كان على رأسها وفق اتفاق تبلوَر في وثيقة دستورية تمّ التوقيع عليها في 4 أغسطس/آب 2019. أفضى الإنقلاب الى إلغاء اتفاقية الفترة الإنتقالية (الوثيقة الدستورية) وحلّ هياكل سلطتها (بما فيها مجلس السيادة، الذي أعيد تشكيله لاحقاً). ومع يوم الإنقلاب بدأت حلقة من العنف من جانب السلطات تجاه الجموع المدنية التي عارضته، واستمرت في معارضتها له، بشتّى سبل المقاومة غير المسلّحة. 



قامت سلطة الانقلاب بحملة اعتقالات واسعة منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، شملت 63 موظفاً حكومياً وعدداً من الشخصيات المؤثرة سياسياً. كما شملت الاعتقالات رئيس الوزراء وستةً من وزراء حكومته، وتمّ قطع التواصل بينهم وبين العالم الخارجي. وأصبح استخدام العنف المُفرط تجاه المتظاهرين والمعارضين ممارسةً مستمرة، مع ارتفاع أعداد الضحايا (من قتلى وجرحى) بصورةٍ شبه يومية وكذلك زيادة المعتقلين السياسيين. لم يتغيّر عنف السلطة المركزية بعد توقيع الاتفاق بين البرهان وعبد الله حمدوك، رئيس الوزراء السابق، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ولا بعد استقالة حمدوك في 2 يناير/كانون الثاني 2022، وحتى لحظة كتابة هذه السطور. تقول لجنة أطباء السودان المركزية إن عددَ الشهداء المؤكدين لدى اللجنة منذ يوم الإنقلاب وحتى 31 أغسطس/آب 2022 بلغ 117شهيداً، وتجاوز عدد الجرحى الآلاف وتم اعتقال المئات تعسّفياً. 



في الأسبوعين الأولين من فبراير/شباط 2021، جرت اعتقالات جديدة شملت وزيراً سابقاً في الحكومة الإنتقالية وخمسة أعضاء من لجنة تفكيك التمكين (السابقة) التي كانت وظيفتها التحقيق في حالات الفساد إبان نظام البشير البائد. كما حصلت تراجعات ملحوظة فيما يتعلق بملفات محاكمات رموز النظام المخلوع، حيث صار هناك تعطيلٌ للملفات وتأجيل للجلسات، "إلى جانب العودة المتزايدة لمفصولي لجنة إزالة التمكين" وفق تقريرٍ من شبكة عاين، أورد إفادات تقول أن "جميع موظفي الخدمة المدنية التابعين لحزب المؤتمر الوطني البالغ عددهم 135 ألفاً قد عادوا إلى مناصبهم – حتى إلى الأجهزة الأمنية."



لقد اتّسمت الفترة منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وحتى الآن، من وجهة نظر الفضاء المدني، بتزايد الضغوط على الحريات العامة وعمل المنظمات غير الحكومية، كما تميّزت بنمطين كبيرين هما:

 تصدّر لجان المقاومة للمشهد الاجتماعي/سياسي؛

 وزيادة وتيرة ما يسمّى بالعنف القَبَلي، وتنشيط السلطات للنزعات الإثنية. 



ورغم أن تواتر أحداث العنف القَبلي (أو العنف المنسوب لتحيّزات إثنية) كان من العناوين الواضحة في الفترة الإنتقالية كذلك، إلاّ أن النزاعات ازدادت حدّةً، ولوحظ التعامل الضعيف والبطيء من جانب السلطات لدرء العنف وإنقاذ الأرواح (الأمر الذي يقف في تناقضٍ كبير مع سرعة هذه السلطات في استعمال ترسانتها المسلّحة في قمع الجماهير). في أواخر أبريل/نيسان، حصلت أحداث دامية في بلدة الكرينك، بغرب دارفور، حيث قامت ميليشيا مسلّحة (بأسلحة ثقيلة وعربات دفعٍ رباعي) بالهجوم على سكان القرية، إثر توترات أمنية دامت لمدة يومين في المنطقة. وسقط من جراء الهجوم عشرات الضحايا. ورغم ما وُصِف بوجود تعزيزات عسكرية دفعت بها قوات الحكومة إلى المنطقة (إثر بداية التوترات)، إلا أنه يبدو أن تلك التعزيزات لم تقم بواجبها المُتوقع أو لم تقدر عليه. أسفر ذلك النزاع – الموصوف بأنه بين مجموعات رعوية وأهالي بلدة "كرينك" – عن مقتل حوالي 200 وإصابة 130 بجراحٍ بليغة، كما تم التبليغ عن حالات اغتصاب، ونزوح عشرات الآلاف، بينما ظل وضع الرعاية الصحية في أزمة واحتقان. أيضاً، أسفرت أعمال عنفٍ مماثلة، في منطقة النيل الأزرق، في يوليو/تموز، عن العديد من الضحايا إضافةً لنزوح عشرات الآلاف. أفادت وزارة الصحة في النيل الأزرق بأن عدد القتلى بلغ "وفقَ آخر إحصائية من لجنة الطوارئ 105 قتلى و291 جريحاً". في أواخر أغسطس/آب تجدّدت الاشتباكات وأوقعت المزيد من القتلى والجرحى، ثم تجدّدت مرةً أخرى بعد منتصف أكتوبر/تشرين الأول وبصورةٍ أكثر عنفاً مع تضاعف أعداد القتلى والجرحى. كذلك تحدثت الأنباء عن اندلاع أحداث عنف مماثلة في مدينة لقاوة بجبال النوبة (جنوب كردفان)، الأمر الذي أسفر كذلك عن عشرات القتلى وآلاف النازحين. كل ذلك وسط غيابٍ غريب، أو حضورٍ سلبي أغرب، أو مثيرٍ للتساؤلات، لسلطات الدولة ولقواتها النظامية الرسمية. 



من الناحية الاقتصادية، دخلت البلاد عام 2022 بدون موازنة مُعتمدة رسمياً، ثم في شهر يناير/كانون الثاني أقرت حكومة تصريف الأعمال، التي عينتها السلطة الإنقلابية، موازنةً تبدو طموحةً في ظاهرها، ولكن حقيقتها لم تبشر بأمكانية تصديها لتحديّات الواقع الاقتصادي في العام. ومما يزيد صعوبة فهم الأداء الاقتصادي في السودان غياب البيانات الموثوق بها التي تعكس ذلك الأداء، وغياب الشفافية في توضيح الوضع الاقتصادي من جانب المؤسسات الرسمية. بيد أن القراءة العامة للأسعار ولسعر صرف العملة ولأحوال النشاط الاقتصادي تفيد بأن الأداء الاقتصادي العام في الفترة المعنيّة استمر في التدهْورِ، مع ملاحظات تستحق الوقوف عندها، مثل الهبوط الواضح في مسار معدل تضخم الأسعار العام (انخفاض سرعة زيادة متوسط الأسعار) رغم الارتفاع الملحوظ في أسعار السلع الأساسية، مع انخفاض معدّل النموّ الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي، وفقَ تقارير بنك السودان المركزي، كما أن سعر صرف الجنيه شهد استقراراً نسبياً لعدّة أشهر في 2022 بعد أن كان قد ارتفع بصورةٍ واضحة بعد الإنقلاب وحتى مارس/آذار 2022. 



ويمكن لقراءة هذه المؤشرات مع أوضاع أخرى أن تساعد في تفسير الصورة الكبيرة، فقد أدّى الإغلاق المزمن لميناء بورتسودان – الميناء البحري الرئيسي للسودان – إلى شللٍ كبير في عدّة قطاعات، وضمورٍ في الواردات، الأمر الذي أدّى بدوره إلى مستوى من الركود التجاري. ومع غياب الاستقرار السياسي تراجعت مشاريع استثمارية، كما تراجعت مشاريع تنموّية تم طرحها في الفترة الإنتقالية (مثل مشاريع دعم وتطوير الصناعات الصغيرة). وتمّ بطبيعة الحال تجميد التمويل الذي وعدت به جهاتٌ مانحة ومؤسساتٌ دولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي (وهي وعودٌ تبنتها السلطة الإنتقالية إثر سياساتٍ أوصت بها تلك المؤسسات، الأمر الذي أدّى إلى معاناةٍ اقتصادية واسعة وسط المواطنين في الفترة الإنتقالية). بصورةٍ عامة، كان التراجع الاقتصادي عامّاً وشاملاً، وضع السودان في قائمة الدول "متدنيَة الدخل" بعد أن كان قد شهد صعوداً طفيفاً في تلك القائمة (إلى قائمة الدخل المتوسط الأدنى) في عام 2018. الجدير بالذكر كذلك أن شهر أغسطس/آب 2022 شهد سيولاً وفيضانات، كالعادة، وهو الموسم الذي يشهد تقلّص المساحات المزروعة وزيادةَ تكلفة الإنتاج والترحيل وتناقصَ السلع المعروضة، ذلك إضافة للكوارث والخسائر في الأرواح والمساكن والأصول المنتجة الناجمة عن السيول والفيضانات.  فقد غمرت السيول والفيضانات مناطقاً زراعية في السودان بالمياه، كما حدث في المناقل، وسط ضعف استجابة السلطات لإنقاذ الموقف، وكل هذه إشارات إلى الضعف الاقتصادي والإداري العام. ورغم أن الأوضاع الإستثنائية لجائحة كوفيد19 لم تنحسر تماماً من العالم، إلا أن السياسات المتعلقة بالجائحة في السودان تلاشت بصورةٍ عامة، بحيث لا يمكن أن يُنسَب لهذه الجائحة أي أثرٍ يُذكَر في تعطيل الأداء الاقتصادي المحلي. وإجمالاً انعكست هذه الأوضاع على الواقع في صورة تدهورٍ عام في مستوى معيشة أغلبية المواطنين، وفي القلق الواسع الملموس في الحياة العامة بخصوص المستقبل المنظور من حيث تكاليف مُتطلبات الحياة الأساسية وتوفّرها، خاصةً وأن هنالك أزمةً غذائية كبيرة تلوح في الأفق، وفقَ تقاريرٍ دولية. 



من ناحية المجتمع المدني، فقد شهد انتكاساً بعد الإنقلاب، بعد انتعاشٍ مؤقت في الفترة الإنتقالية 2019-2021، ولا يعني ذلك أنه كان بخير حال قبل الإنقلاب، لكن كانت المحاولات جاريةً على قدم وساق لاستعادة عافيته. صدرت قرارات مقيّدة للأنشطة الثقافية وأنشطة منظمات المجتمع المدني. ورغم ذلك هنالك بعض الإشراقات مثل تطوّرات الحراك النقابي وهو يحاول استعادة توازنه، بعد ما جرى له من التكسير والتصحير طيلة فترة حكم نظام جبهة الإنقاذ الوطني (1989-2019) وبعد ما شهده من خذلان في الفترة الإنتقالية (حيث فوّتت النزاعات السياسية فرصةَ تحقيق خطواتٍ أكبر لصالح قوانين العمل والتنظيم النقابي). إجمالاً، يمكن القول إن أمام المجتمع السوداني عقبات كثيرة وكبيرة، وإنه في سيره لتجاوز تلك العقبات وبناء مجتمعٍ مدني قويّ وحيوي وجد نفسه في قطيعةٍ ومواجهةٍ عامة مع الإنقلاب. 



وكما سبقت الإشارة اليه، فإن المشهد السوداني تميز بتزايد دور لجان المقاومة، وباستعادة الحركات النقابية بعض الحيوية. وهو ما ستتناوله الفقرات التالية من التقرير. 



الرجاء الضغط هنا لتحميل التقرير.






احدث المنشورات
Mar 27, 2024
تاريخ من المرض الهولندي: هل يستطيع لبنان التغلب عليه؟
Mar 22, 2024
ملحق لاستراتيجية شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية 2024-2025
منشورات ذات صلة
Jan 04, 2023
لمحة عامة عن النظام الصحي في السودان - راوية كمال الدين
Oct 20, 2022
تقرير تسليط الضوء للتقرير الوطني الطوعي حول التقدم في احراز أهداف التنمية المستدامة في‬ ‫السوادن - اكتوبر 2022