Feb 27, 2023
ازمة ارتفاع الأسعار في المغرب
غيتا البرّاد
(منسقة برامج (جمعية رواد التغيير للتنمية والثقافة

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
غيتا البرّاد

ازمة ارتفاع الأسعار في المغرب – غيتا البراد


 يشهد المغرب سخطا شعبيا بسبب الارتفاع المهول للأسعار في المحروقات وجميع المواد الغذائية بما فيها المواد الأساسية، التي كانت تعتبر أساس القوت اليومي لعموم الفقراء كالطماطم والبصل والبطاطس والقطاني. بل أصبح ضعف القدرة الشرائية يمس بالإضافة لذوي الدخل المحدود أيضا الفئات المتوسطة.


فجل المواطنات والمواطنين لم يعودوا قادرين على تحمل المزيد من ضرب قدرتهم الشرائية والاجهاز على قوتهم اليومي، فالمغرب حاليا يعيش احتقانا اجتماعيا بسبب ارتفاع الأسعار. ويبدو أن المغاربة قد نفد صبرهم، الشيء الذي أكدته دراسة ميدانية وطنية أنجزها مجلس النواب حول “القيم وتفعيلها المؤسسي” إلى وجود استعداد كبير لدى المغاربة للاحتجاج، والخروج إلى الشارع في المظاهرات وفي حملات مقاطعة المنتوجات، وهو ما ينذر بانفجار الوضع. حيث عرفت وسائل التواصل الاجتماعي غليانا مستمرا نظرا لهذا الغلاء وخرجت مجموعة من المدن في وقفات ومسيرات حاشدة تعبيرا عن السخط الشعبي ولازالت دعوات الاحتجاج مستمرة.


وردّت الحكومة المغربية في تصريحها انها تقوم بإجراءات لمواجهة الغلاء، واعتبرت  من خلال ندوة صحفية أنها ملتزمة بحماية القدرة الشرائية للمغاربة، كما أنها اتخذت بعض الإجراءات لتوفير اللحوم وخفض أسعارها من قبيل وقف استيفاء الرسوم الجمركية وتعليق الضريبة على القيمة المضافة، وهو ما اكدت الحكومة ان تأثيره سيظهر في القريب، كما أنها اتخذت إجراءات بخصوص الحليب،  مبررة هذا الارتفاع بأحوال الطقس والسوق العالمية.


والحقيقة ان المشكل ليس هو ارتفاع الأسعار فقط، المشكل الحقيقي هو محدودية القدرة الشرائية. والسؤال الحقيقي ليس ما هو سبب ارتفاع الأسعار؟ بل هو لماذا لم تتحسن القدرة الشرائية للمغاربة طيلة السنوات الماضية؟ الأسعار تخضع لمنطق السوق وقانون العرض والطلب، ولا يمكن تسقيفها في اقتصاد مفتوح وحر. نعم هناك عوامل كثيرة تحدد العرض في السوق، منها المناخ والمضاربة والكوارث الطبيعية والحروب وغيرها، وهذه عوامل يمكن للحكومات أن تتدخل في بعضها كتطبيق القانون ضد المضاربين ومحاربة الاحتكار، ولا يمكنها التدخل في البعض الآخر كالحروب والمناخ. لكن الرفع من القدرة الشرائية للمواطنين هي مسؤولية ثابتة للحكومات. لذلك فالسؤال المحوري هو: لماذا فشلت الحكومات المغربية طيلة السنوات الماضية في الرفع من القدرة الشرائية للمغاربة ؟


أولا: المغرب مُصنف عند المؤسسات المالية الدولية كبلد ذو دخل ضعيف أو محدود، الجزء الأكبر من ميزانيته يعتمد على الضرائب والاقتراض. ولم تتمكن الحكومات طيلة عقود من الرفع من مداخيلها بشكل يوفر هامش كبير للتحرك. خدمة الدين العمومي تستنزف سنويا أكثر من ميزانيتي التعليم والصحة مجتمعتين. والدين العمومي لم يعد مستداما منذ سنوات، ولا يوفر هوامش جديدة للاقتراض في غياب معدلات نمو قادرة على خلق الثروة بشكل يرفع من مداخيل الخزينة.


ثانيا: الأغنياء في المغرب لا يدفعون الضرائب، ومعظم الضرائب يدفعها الموظفون والأجراء لأنها تقتطع من المنبع. وهذا من بين الأسباب الحقيقية التي قتلت القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، إضافة إلى غياب شبه تام للخدمات العمومية.


ثالثا: انخفاض كبير لمعدلات النمو في السنوات الماضية، وهو الشيء الذي يؤثر بشكل كبير على خلق فرص العمل وبالتالي خلق مصادر دخل جديدة للأفراد والأسر. النمو انخفض بشكل كبير في العشر سنوات الأخيرة، ولم يتجاوز 1.2% في السنة الماضية. ومعدل البطالة تجاوز 12% وطنيا، و15% في الحواضر، وأكثر من 32% في صفوف الشباب .


رابعا: الإعفاءات الضريبية التي يستفيد منها الأغنياء. فكيف يعقل أن يدفع الضريبة الشرطي والمعلم، ويتم إعفاء مصدري المنتوجات الفلاحية من الضرائب. كيف يعقل أن يدفع الأجير ضريبة على الدخل، في حين يستفيد المهنيون من نسب منخفضة للضريبة على الدخل لا تتناسب مع ما يحققونه من أرباح. كيف يعقل أن يدفع المريض 7% ضريبة على الدواء؟!


خامسا: غياب منافسة حقيقية، لأن السوق محتكر من طرف لوبيات بعينها .. والخطير هو أن هذه اللوبيات نجحت في اختراق المؤسسات التي من المفترض أن تُشرِّع قوانين المنافسة ومحاربة الريع وتسهر على تطبيقها. وهي اليوم من تشرع القوانين التي تُطبَّق عليها. إذا طُبِّقت أصلا!


لذلك يمكن اعتبار النقاش الحالي كله نقاشا مغلوطا. لأن من يريد الحفاظ على الأسعار في نفس مستوياتها لعقود كمن يريد صيد السمك في التراب. الحل المنطقي والعِلمي هو الرفع من القدرة الشرائية للمغاربة لتتناسب مع ما تفرضه الظروف من أسعار. بالتوازي مع مراجعة النظام الضريبي لتحقيق العدالة الجبائية، التي تبقى إلى حدود الساعة مجرد شعار. وتطبيق القانون بصرامة على المضاربين والمحتكرين والمتلاعبين بالأسعار!


وكل هذا بالطبع في غياب أي نقاش عمومي حقيقي حول الموضوع في القنوات العمومية، على الرغم من الانتشار الواسع لهشتاغ لا للرفع في الأسعار و الدعوات الذي انتشرت بوسائل التواصل الاجتماعي حول الدعوة للاحتجاج تعبيرا عن هذا السخط الاجتماعي.


غيتا البراد

احدث المنشورات
Mar 27, 2024
تاريخ من المرض الهولندي: هل يستطيع لبنان التغلب عليه؟
Mar 22, 2024
ملحق لاستراتيجية شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية 2024-2025
منشورات ذات صلة
Sep 21, 2023
زلزال الحوز بالمغرب و مبادرات المجتمع المدني ‪ -‬د. فوزي بوخريص
Oct 03, 2023
زلزال الحوز المغرب : ما دور الحكومة المغربية في تدبير الازمة؟ - غيتا البرّاد