Jul 03, 2023
افتتاحية تقرير الراصد العربي 2023 الحق في الصحة - زياد عبد الصمد
زياد عبد الصمد
المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
زياد عبد الصمد

افتتاحية النسخة السادسة لتقرير الراصد العربي 2023 الحق في الصحة - زياد عبد الصمد
بيروت، في 30 حزيران/يونيو 2023 - الرجاء الضغط هنا للتحميل.
زياد عبد الصمد


تمهيد

يشهد العالم تحولات خطيرة على مختلف المستويات تكاد أن تشكل مخاضاً لنظام عالمي جديد لم يُبصِر النور، حتى أن ملامحه لم تتضح بعد. إلا أن الأزمة التي تعصف بالعالم حالياً تطال جميع الدول والمناطق والشعوب بلا استثناء. وهي تؤكد على استحالة استمرار النظام القائم المُولِّد للأزمات الدورية والمفاجئة الاقتصادية والمالية والمناخية، والتوترات الأمنية والعسكرية في معظم المناطق والقارات. بدورها، تتسبب هذه الأزمات بتفاوتٍ هائل في توزيع المنافع والثروات وصولاً إلى معدلات غير مسبوقة من اللامساواة بين الدول العربية، حيث "يملك أغنى 10 رجال في العالم أكثر مما يملكه 3.1 مليار شخص مجتمعين" (أوكسفامOxfam/ 2022)i.  وتنتشر ظاهرة اللامساواة داخل كل دولة عربية حيث تشهد تمركزاً للثروات وتفاوتاً في توزيعها. وقد ساهم ذلك في رفع حدة التوتر وانتشار النزاعات المسلحة في أكثر من منطقة في العالم، ما أدى إلى ارتفاع قياسي في معدلات الإنفاق على التسلح، إذ بلغ 2.24 تريليون دولار، أو 2.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (سيبريSIPRI/ 2022) ii، ناهيك عن أعداد اللاجئين والنازحين قسراً التي تتجاوز الـ 110 مليون شخص بعد أن كانت تناهز 80 مليون في عام 2021 كما يتبين من الرسم أدناه (مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئينUNHCR/ 2022)iii.





الراصد العربي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، الحق في الصحة

تصدّر الحق في الصحة الحقوق الأساسية الأخرى في السنوات القليلة الماضية بعد أن تحولت جائحة كوفيد-19 إلى ظاهرة خطيرة لها تداعيات على الاقتصاد والاجتماع، بما فيها التداعيات على الحق في العمل والتعليم، كما أضاءت على الاختلالات الجوهرية في الأنظمة الصحية والتربوية والحماية الاجتماعية، وأيضاً في قدرة الحكومات على الاستجابة الملائمة وتحقيق العدالة بين المواطنين في الوصول إلى الخدمات الأساسية. من هنا، جاء اهتمام الشبكة في الحق في الصحة، فاعتمدته عنواناً للنسخة السادسة من تقرير الراصد العربي الذي يسعى إلى بلورة المقاربات النقدية للسياسات الصحية، لا بل الأنظمة الصحية، في بُعدَيْها المؤسسي والهيكلي من جهة، والسياساتي من جهة ثانية.


المنطقة العربية في قلب الأزمات

تعاني دول المنطقة من أزمات كثيرة ومتشعبة بفعل تضافر عوامل متعددة: تطبيق السياسات النيوليبرالية والخيارات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة لعقود؛ والاستسلام شبه المطلق لتوصيات المؤسسات المالية والتجارية الدولية سعياً وراء بعض الديون والتمويل لسد العجز في الموازنات والمالية العامة والميزان التجاري، وبالتالي تخلي الدولة بالكامل عن مسؤولياتها الاجتماعية ودورها الاقتصادي واستبداله بالخصخصة، لا سيما الخدمات الصحية، حيث تحولت الصحة إلى مجرد سلعة بدلاً من اعتبارها حقاً من حقوق الإنسان وأحد مكونات العقد الاجتماعي الأساسية؛ أضف إلى ذلك أن الحكومات أو دوائر السلطة الصغرى المقرِرة اعتمدت هذه السياسات والبرامج في ظل غياب المشاركة والمساءلة والمحاسبة، على المستويات السياسية والقضائية والشعبية. وتشير الأرقام التي تتداولها المنظمات الدولية، بما فيها منظمات الأمم المتحدة، إلى معدلات غير مسبوقة للفقر والبطالة، والتفاوت الملحوظ بين المواطنين بين الدول العربية وداخل كل دولة لناحية توزيع الثروات وفي القدرة على الوصول إلى الحقوق الأساسية. في هذا الإطار، أشار تقرير الإسكوا في 2022 إلى أن 10% فقط من السكان يستحوذون على 58% من الثروات في المنطقة العربية. في المقابل، يتشارك الـ 50% الأقل قدرةً في المجتمع نحو 8% فقط من الدخل (الإسكواESCWA/ 2022)iv.


أدى هذا الواقع الصعب الذي تعيشه المنطقة وشعوبُها إلى اندلاع حركات شعبية احتجاجية ما زالت مستمرة منذ نهاية عام 2010 وقد طالت معظم البلدان العربية. أدت ردود فعل السلطات وقوى الثورة المضادة والتدخلات الخارجية حيال تطورات "الربيع العربي" إلى المزيد من الاضطرابات والنزاعات المسلحة نتيجة تمسك الجهات الحاكمة بمواقعها في السلطة وعدم تنازلها عن كل أو بعض امتيازاتها، لا بل تلكؤها في تطبيق برامج إصلاحية ضرورية تأخذ بالاعتبار مصالح شعوبها وتتدارك الانهيارات. وفقًا لأبحاث البنك الدولي، بلغ حجم الإنفاق العسكري في المنطقة العربيّة حدود الـ 2.03 ترليون دولار في الفترة الممتدة بين عامَيْ 1999 و2018، أي خلال عقدين من الزمن. ويوازي هذا الرقم الهائل 5.6% من الناتج المحلّي الإجمالي في الدول العربيّة خلال الفترة نفسها. وفي عام 2022، ارتفع حجم الإنفاق العسكري في دول منطقة الشرق الأوسط وحدها ليبلغ حدود الـ 184 مليار دولار، ما شكّل زيادةً بنسبة 3.2% مقارنةً بالعام السابق. كذلك، وفي ظلّ الاضطرابات الأمنية والاقتصادية والسياسية والمناخية، اضطرّ أكثر من 110 مليون شخص إلى مغادرة أماكن سكنهم ليتحولوا إلى نازحين أو لاجئين وطالبي لجوء، منهم حوالي 30 مليون في المنطقة العربية (مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين/2022 UNHCR).


يشير الرسم أدناه إلى حجم الديون التي تتحملها الدول العربية وتشكِل عبئاً اقتصادياً له تداعيات خطيرة وبعيدة المدى على الأوضاع الاجتماعية، بحيث أن عبء الدين العام الداخلي والخارجي بات يفوق الـ 50% من الناتج المحلي، وفي بعض الحالات يفوق الـ 100%.





وتشهد المنطقة حالياً أنواعاً من الانقلابات المضادة لمواجهة المكتسبات المتواضعة التي تحققت خلال العقد الماضي في الطريق إلى الديمقراطية وبناء دولة القانون، بهدف الإبقاء على هيمنة القوات المسلحة أو الأنظمة الشمولية والأمنية والشعبوية في مواقع السلطة.


يؤكد هذا الواقع على مسألتين أساسيتين:

أولًا: من الضروري إجراء مراجعة نقدية جريئة وعميقة تطال كافة المستويات وتتناول مسؤولية الأطراف المعنية، أي الجهات الحكومية، كالدولة ومؤسساتها وأجهزتها الأمنية والعسكرية والإدارية، والجهات غير الحكومية الدولية والوطنية والمحلية، والمنظمات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة والمؤسسات المالية والتنموية والتجارية، إذ تُلقى على عاتق كل طرف من هذه الأطراف نسبةٌ من المسؤولية. وهنا، لا بد من التأكيد على ضرورة إعادة الاعتبار لمعايير "المواطنة"، أي التوازن بين الحقوق والواجبات، بما في ذلك الحق في المشاركة السياسية الفاعلة، واحترام الحريات، واعتماد مبادئ الشفافية والمساءلة والمحاسبة والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين.


ثانيًا: الشراكة أساسية لتجاوز هذه الأزمات، وبالتالي انخراط كل الأطراف المعنية بالعملية التنموية والسياسية في نسقٍ من التعاون والتكامل، ما يضيء على دور منظمات المجتمع المدني الذي يتنامى في مجال المناصرة والدفاع عن حقوق الإنسان، على أساس أن حقوق الإنسان شاملة ومترابطة وغير قابلة للتجزئة. إلا أنَّ هذا الدور المتنامي، ورغم أهميته، لا يجب أن يُنظَر إليه كبديل عن دور الدولة ومسؤوليتها السياسية والاجتماعية تجاه المجتمع ككل، وكذلك سائر الشركاء التنمويين. ونقصد بالشراكة تلك الشراكة الحقيقية، لا تلك الإجراءات الشكلية وغير المتوازنة في العلاقة بين الأطراف، ولا إيديولوجية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، أو أي شراكة ذات طابع تجاري أو نفعي خارج منطق التنمية وحقوق الإنسان.


نظرة على الأوضاع الصحية في المنطقة العربية

أدّت الجائحة إلى إظهار العديد من التحديات المستمرة منذ عقود، أبرزها العنف والنزاعات المسلحة وعدم المساواة؛ والبطالة؛ والفقر؛ وضعف شبكات الأمان الاجتماعي؛ وانتهاكات حقوق الإنسان؛ والمؤسسات والحوكمة التي لا تستجيب بشكلٍ كافٍ؛ والنموذج الاقتصادي الذي فشلَ في تحقيق تطلعات الجميع (الإسكوا/ESCWA 2022).


ويعود تعثر الأنظمة الصحية في معظم الدول العربية إلى عوامل متعلقة بضعف الهيكلية، من ضمنها التركيز على الجانب العلاجي، في حين تغيب برامج الحماية الاجتماعية الشاملة والرعاية الصحية الأولية والتوعية الصحية وكل البرامج الوقائية التي تركز عليها مفاهيم منظمة الصحة العالمية ومبادئها. إضافةً إلى ذلك، يغيب الالتزام بمنطق الحقوق، والحق في الصحة على وجه التحديد ومتطلباته، لصالح مقاربات برامجية عمودية. وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن النتائج السلبية لهذه الاتجاهات وعدم فعالية الأنظمة الصحية القائمة وتمويلها وتجهيزها والعاملين فيها (سوسن عبد الرحيم).


تنطلق الشبكة العربية في مفهومها للصحة من أنها حق من حقوق الإنسان الأساسية كما عبر عنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 وإعلان ألما-آتا لعام 1978 (المؤتمر العالمي حول الرعاية الصحية الأولية). كذلك، تَبنّى دستور منظمة الصحة العالمية لعام 1947 مبدأ أن الصحة هي حق من حقوق الإنسان، وأن الحق يتضمن مقاربة شاملة لمفهوم الصحة ومبادئ أساسية حول الطابع الشامل لهذا الحق وعدم جواز تجزئته أو تقسيمه. وهو حق يتمتع به الإنسان بصرف النظر عن جنسه وعمره ودينه وعرقه ولونه وانتمائه. وتتحمل الدولة مسؤولية أساسية في توفير هذا الحق لجميع المواطنين وضمان قدرتهم على الوصول إليه. انطلاقاً من هذا المفهوم، أكد إعلان ألما-آتا على المساواة بين المواطنين وعلى العدالة الاجتماعية، كما أكد على ضرورة وقف الحروب والنزاعات المسلحة وتوجيه الإنفاق الأساسي نحو بناء أنظمة صحية قوية ومتماسكة تستجيب لموجبات توفير الحق في الصحة كشرط من شروط توفير الأمن والتماسك الاجتماعي (سوسن عبد الرحيم).


أما النظام العالمي الذي قام خلال الحرب الباردة وبعدها، فقد اعتمد النيوليبرالية نموذجاً اقتصادياً، فهمّش مختلف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك الحق في الصحة، لا سيما بعد بروز دور مؤسسات بريتون وودز (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) في إدارة السياسات الاقتصادية والمالية والتنموية على الصعيد العالمي. فباتَ التركيز على الاستقرار المالي والاقتصادي كأولوية، كما تم تطبيق ما عُرِف بـ "برامج الإصلاح الهيكلي" التي اعتمدت على التقشف في الإنفاق على حساب الإنفاق الاجتماعي، ما أدى إلى الانتقائية في تطبيق الحق في الصحة مع التركيز على بعض الجوانب البسيطة وإهمال جوانب أساسية أخرى خلافاً للمبادئ الدولية. وما زاد الوضع مأساويةً هو بروز دور البنك الدولي كأحد الفاعلين الأساسيين في التمويل وفي تقديم "المشورة"، وهو يقوم عملياً بالترويج للخصخصة، بما في ذلك خصخصة الخدمات الصحية، ما عزز دور القطاع الخاص وأدى إلى تهميش دور منظمة الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الدولية (محمد سعيد السعدي).


ومن نافلة القول أنَّ اعتماد سياسات النيوليبرالية على مدى العقود الماضية أدى إلى تهميش "العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" (1966)، وبالتالي تراجع الالتزام بالحقوق الأساسية، لا سيما الحق في العمل والحق في الغذاء والتعليم والسكن والصحة. وكما بات معروفاً، فإنَّ هذه الحقوق مترابطة في ما بينها، وغياب أي حق من الحقوق يؤثر على الحقوق الأخرى. فكيف إذا كانت كل هذه الحقوق مغيبة؟ وبنتيجة هذه السياسات، أشارت منظمة العمل الدولية إلى أن نصف سكان المنطقة لا يتلقون أي تغطية للرعاية الصحية الأولية في حين يُقدَّر حجم الإنفاق الاجتماعي في المنطقة العربية بمعدل 4.6% مقابل معدل عالمي يبلغ 12.9% (رنا جواد وولاء طلعت)، مُضيفةً أن التغطية في الدول العربية تطال 39% من السكان في حين ترتفع هذه النسبة عالمياً إلى 66%.


الحق في الصحة في صلب الأجندة الدولية

لقد تطور مفهوم الحق في الصحة خلال العقود الأخيرة، فانتقل من المقاربة الكمية التي عكستها الأهداف الإنمائية للألفية، إلى المقاربة النوعية الأكثر شمولاً في أهداف التنمية المستدامة التي تضمنتها خطة عمل 2030. فالهدف الخاص بالصحة (الثالث) باتَ أكثر ارتباطاً بنوعية الحياة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، بما فيها الحوكمة والمشاركة. ويأتي ذلك استكمالاً للجهود التي انطلقت في العام 2000 لتوسيع مفهوم الحق في الصحة والتي أدت إلى اعتماد المحددات الاجتماعية للصحة في العام 2003.


واللافت مثلاً ما تضمنه المقصد السابع عن الرعاية الصحية التي شملت الصحة الجنسية والإنجابية وتنظيم الأسرة. أما المقصد الثامن فقد تحدث عن التغطية الصحية الشاملة، بما فيها الجوانب المالية والنوعية الجيدة والوصول إلى الدواء والعلاج واللقاح إلخ. بالتالي، لم يعد الحق في الصحة محصوراً بقياس معدلات وفيات الأطفال والعمر المتوقع عند الولادة.


ويتوسع مفهوم الحق في الصحة ليطال كيفية إدماجها في الحق بالتعليم والصحة النفسية وربطها أيضاً بأشكال من الحرمان من الحرية والمحاسبة والحق في اختيار الأنماط الصحية الملائمة، وإلى ما هنالك.


وهذا يؤكد على أهمية النظر إلى أهداف التنمية المستدامة بترابطها وتكاملها، كما جاء في الإعلان السياسي حول التنمية المستدامة، بحيث أن تحقيق الهدف الخاص بالصحة مرتبط بمدى النجاح في تحقيق أهداف التعليم والعمل اللائق والأمن الغذائي والبيئة والمساواة، لا سيما بين الجنسين.


وقد أضاءت الجائحة على الاختلالات المحيطة بالأنظمة الصحية لجهة سرعة الانتشار رغم التطور العلمي والتقني وتطور أنظمة الإنذار المبكر والوقاية، لا سيما المخاطر الناجمة عن غياب دور الدولة الرعائي والحامي للحقوق ودورها كجهة رئيسية في صنع السياسات العامة. كذلك، أضاءت على أهمية إنشاء أنظمة للحماية الاجتماعية تقوم على المقاربة الحقوقية والمساواة.


الشراكة من أجل الحق في الصحة


تُعَدّ الشراكة إحدى الركائز الأساسية للتنمية، ويقوم مفهوم الشراكة على تكافؤ الفرص بين الشركاء التنمويين. أما الشراكة الفعلية فتقوم على المواطنة ومبادئ الحقوق والحريات، لا سيما الحق في التعبير والتجمع والحق في تكوين الجمعيات والمنظمات والحق في الوصول إلى المعلومات والحق في المشاركة. وترتكز القراءة النقدية للشركاء التنمويين وأدوارهم على المسؤولية المتبادلة إنما المتفاوتة، كما على الشفافية والمساءلة والمحاسبة.


لذلك، ولكي تتحقق الشراكة المتكافئة، لا بد من توفير المناخ الملائم والمُساعِد لمختلف الشركاء التنمويين، لا سيما المجتمع المدني الذي يعاني من تقلص الفضاء المدني نتيجة الممارسات القمعية للسلطات السياسية. ويأتي على رأس هذه الممارسات تضييق هامش الحريات العامة، وتحديدًا حرية التعبير والتجمع والتنظيم والوصول إلى الموارد المالية، وبخاصة الحق في الوصول إلى المعلومات. علاوةً على ذلك، لا بد من القيام بمراجعة نقدية لدور المجتمع المدني الذي يسعى إلى ملء الفراغ الناجم عن غياب الدولة أو ضعف مساهمتها في توفير الحقوق الأساسية للمواطنين. إلا أن الاتجاه نحو تحميل المجتمع المدني المسؤولية عن التقصير وعدم القدرة على الاستجابة للاحتياجات المجتمعية، نتيجة تشرذمه أو عدم فاعليته، هي مقاربةٌ تكاد تكون مجتزأة لأنها لا ترى سوى الجانب الخدماتي في دور المجتمع المدني وتغيب عنها الجوانب الأخرى كالمناصرة والدفاع والمشاركة في رسم السياسات العامة وتنفيذها وتقييمها وتقييم أثرها وفاعليتها. إن غياب الدولة يعني غياب السياسات الصحية العامة بترابطها مع القطاعات الأخرى، كحماية البيئة والتعليم للجميع بنوعية جيدة والسكن والغذاء والعمل اللائق والحماية الاجتماعية وغيرها. كذلك، يؤدّي غياب الدولة وغياب آليات المساءلة والمحاسبة إلى عدم الالتزام باحترام الحق، وبالتالي التهرب من تنفيذه.


شكر

بين دفتي هذا التقرير ثمرة التعاون بين الشبكة العربية وكلية الصحة العامة في الجامعة الأمريكية في بيروت. وهو تعاون يجمع بين المجتمع المدني الذي يعمل على المناصرة والدفاع في مجال السياسات العامة، لا سيما في المجالَيْن الاقتصادي والاجتماعي، والأكاديميا التي تقدم المعرفة والتحليل العلمي. يعود هذا التعاون بالمنفعة على الطرفَيْن. فمن جهة، تجد جهود الأكاديميا طريقها نحو التطبيق والمناصرة؛ ومن جهة ثانية، يعمّق المجتمع المدني تجاربه ومفاهيمه وأدواته للقيام بمهام المناصرة بشكل أفضل.


ويأتي هذا التقرير نتيجةَ جهودٍ دامَت عاماً ونيّف من البحث والتشاور وتبادل المعلومات والأفكار والنقاش والكتابة والتدقيق، بذلها فريقٌ متخصصٌ وخبراء من المنطقة العربية وعدد من أبرز الخبراء في مجال الصحة. ثابر فريق العمل في هذه المساعي وأثمرت جهوده 12 تقريراً وطنياً عالجت أوضاع الأنظمة الصحية ومدى التزام الدول في تنفيذ الحق في الصحة، وخمسة تقارير مواضيعية تناولت أبرز العناوين والخصائص التي تميز منطقتنا، كالعولمة النيوليبرالية (محمد سعيد السعدي)، وطبيعة أنظمة الحماية الاجتماعية (رنا جواد وولاء طلعت)، والاقتصاد السياسي والصحة (هاني سراج)، وجائحة كوفيد-19 كمنظور للكشف عن أوجه القصور في النظام الصحي (فرح الشامي)، بالإضافة إلى التقرير الإقليمي الذي يسعى إلى توحيد المفاهيم وضبطها وتحليل الواقع الإقليمي ومقارنة الأوضاع في الدول العربية بالاستناد إلى تقارير الخبراء (سوسن عبد الرحيم).


رافقت هذه الجهود الخبيرة ميسا بارود التي أشرفت على المضمون ونسّقت عمل الباحثين ونسقت ووزعت المهام والأدوار وتابعت يوماً بعد يوم. وساهم في القراءة وتقديم الملاحظات وتطوير المضمون كل من الزملاء أديب نعمة وزهرة بزي ومي حمود ودِيَم أبو دياب وأولغا جبيلي، وماري جوزي سعادة من فريق عمل البرامج في الشبكة. وأخيراً، نُثني على العمل الإعلامي المواكب ونخصّ بالشكر أدهم الحسنية وديالا عبد الصمد وجوسلين جبرايل وفريقها.


إنَّ هذا التقرير هو ثمرة تعاون بين شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية وكلية العلوم الصحية في الجامعة الأمريكية في بيروت، بدعمٍ من المنظمة الألمانية "الخبز للعالم" ومؤسسة "فورد" ومؤسسة "المساعدات الشعبية النرويجية" ومنظمة "دياكونيا."


شكراً لكل من ساهم في إنجاح هذا العمل.


زياد عبد الصمد
يمكنكم الضغط هنا للعودة الى تقرير الراصد العربي ٢٠٢٣ عن الحق في الصحة

مراجع

[i] Oxfam. 2022. "Pandemic creates new billionaire every 30 hours — now a million people could fall into extreme poverty at same rate in 2022." Link.
[ii] SIPRI/سيبري. 2022. “SIPRI Update April 2022: New Military Expenditure Data, Stockholm Forum Registration, Impact of War in Ukraine on Food Security, and More.” Link.
[iii] UNHCR. 2022. “Global Trends Report.” Link.
[iv] ESCWA. 2022. “Inequality in the Arab Region: A Ticking Time Bomb.” Link.



احدث المنشورات
Oct 06, 2024
منطقة مشتعلة - العدد العاشر
Oct 05, 2024
منطقة مشتعلة - العدد التاسع
منشورات ذات صلة
Jan 04, 2023
لمحة عامة عن النظام الصحي في السودان - راوية كمال الدين
Jan 04, 2023
النشرة الشهرية لشهر كانون الاول / ديسمبر 2022