Jun 17, 2025
العالم بين الكوارث النووية وتلك المناخية - حبيب معلوف
حبيب معلوف
كاتب وصحافي بيئي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
حبيب معلوف

العالم بين الكوارث النووية وتلك المناخية - حبيب معلوف


هل باتت مخاطر الحرب النووية ونتائجها الكارثية تنافس مخاطر التغيرات المناخية وكوارثها؟ واية ايديولوجيا جعلت من علم الذرة والطاقة النووية سلاحا وخطرا وجوديين، ينافسان أيضا قضية تغير المناخ؟


لعل تطورات الحرب الاخيرة بين اسرائيل وإيران وما بينهما وما وراءهما، باتت تفرض هذه الاسئلة وهذا النوع من التحديات الوجودية، خصوصا أن خلفيات هذه الحرب، المعلنة والمضمرة، تذهب الى زيادة درجات الخوف من تحول دول متنافسة وجوديا الى "دول نووية" بكل ما للكلمة من معنى…  ومن مخاطر هذه التطورات التي باتت تنافس في مخاطرها كل التهديدات المناخية المنتظرة حتما في منطقتنا من زيادة غير مسبوقة في درجات الحرارة الى زيادة الفيضانات والجفاف في آن، منطقة تعاني أصلا من شح المياه ومن درجات حرارة قاتلة.


تشترك الكوارث النووية مع تلك المناخية في كونهما من صنع الإنسان، وليست كوارث طبيعية مثل البراكين والزلازل والهزات الارضية. ولكنهما يختلفان لناحية القدرة على التكيف مع كوارثها. ففي حين يمكن التكيف مع الكوارث المناخية الى حد ما، لاسيما مع المظاهر المناخية المتطرفة كالفيضانات، لا يوجد خيارات للتكيف مع حرب نووية اذ يمكن لما يسمى "الشتاء النووي" أن يقضي على البشرية جمعاء. واذ احتاج البحث في إجراءات التكيف مع تغير المناخ أكثر من ربع قرن من المباحثات والمؤتمرات الدولية، فإنه مع الكوارث النووية لا مجال لفعل شيء في غضون دقائق في حالة الحرب واستعمال النووي سلاح، وفي غضون ايام في حال التسرب من جراء حادث.


لناحية الخطر الوجودي، فان النهاية النووية أسرع بما لا يقاس، ولا يبقى مجال للمقارنة الا بين الموت المناخي البطيء والموت النووي السريع.


للمقارنة ايضا، الموضوع النووي محصور بإرادة 9 دول نووية، في حين أن الموضوع المناخي يحتاج الى اجماع دولي لم يتوفر يوما الا بالتوقيع على الاتفاقيات غير الملزمة وغير المنقذة.


وفي مقارنة هي في الوقت نفسه مفارقة، ليس هناك من منافس للوقود الأحفوري لإنقاذ المناخ سوى الطاقة النووية، إذا بقي العالم على نفس نموذجه الحضاري (غير العادل) من الاستهلاك الشره والمتصاعد للطاقة. وقد وضع العالم حتى الآن بين الخيار الخطر وذاك الأخطر. مع العلم أن تاريخ الطاقة ليس تاريخا للتحول في الطاقة كما يظن البعض اليوم، بل تاريخ تراكمي يسلك طريق الاستثمار حتى الاستنزاف، يتنقل بين الوقود الناضب، الى الوقود الخطر، الى الوقود النادر، وكل مصدر جديد يزيد الطلب عليه ينهيه وينهي ما بعده … حتى نهاية كل شيء.


كما يمكن القول، أن مستقبل المناخ والطاقة النووية مرهونان الآن بالعلاقة بين الدول الثلاثة الاكثر امتلاكا واهتماما وقدرة على التسلح النووي، اي بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا والصين، مع رهان اضافي على الرئيس الحالي للولايات المتحدة الاميركية دونالد ترامب الذي يعتبر عهده الأكثر اتصالا وتواصلا مع البلدين الآخرين، لوضع قواعد ما لتجنب حرب نووية كبرى. مع العلم ان اي من البلدان الثلاثة، لا يجد نفسه حتى الآن في خطر وجودي، لا بل هم الأقرب لتقاسم المغانم العالمية بدل التفكير في تدميرها. في حين يبدو الأمر الأصعب، في التفاهم على انقاذ المناخ، بسبب ما يتطلبه الانقاذ من تغييرات جذرية في ايديولوجيا اقتصاد السوق المسيطرة، وبسبب إصرار الرئيس الأميركي نفسه على الإنكار لحين وضع اليد على الحصة الأكبر من الاتربة والمعادن النادرة التي تصنع منها التكنولوجيا الجديدة.


انطلاقا من كل ذلك، وغيرها الكثير ضمن الأسباب التاريخية والسيكولوجية، يمكن توقع الموت من الكوارث المناخية البطيئة نسبيا، أكثر من الموت من الكوارث النووية. فالسلاح النووي الذي لم تتطور صناعته ضمن السباق العالمي لكي يستخدم (بعد تجربة استخدامه العام 1945 عندما ضربت الولايات المتحدة الأميركية بالسلاح النووي اليابان)، وبالرغم من التهديدات ووصول العالم في لحظات عديدة من اعادة استخدام هذا السلاح حتى عن طريق الخطأ. مع العلم أن الصين لا تزال تتبنى سياسة "عدم البدء بالاستخدام"، بقدر تبنيها المساهمة في السباق في التسلح. 


من هنا يمكن اعتبار التهديدات المناخية أكثر إلحاحا من التهديدات النووية، بالرغم من كل ما يحصل الآن، لاسيما اذا عرفنا أن هذا السباق في التسلح النووي مدمر ارادي او تلقائي للجميع، وهو بالتالي للردع أكثر مما هو سلاح للاستخدام. مع العلم أن صرف العالم على التسلح، في جميع اشكاله، هو أكبر عامل مؤثر على تأخير عمليات التنمية ومكافحة الفقر والمرض والجوع في العالم، بالإضافة الى دوره في التراجع الدائم لتمويل محاربة الأوبئة وتغير المناخ على المستوى العالمي ايضا.


لماذا وصلنا الى هنا، واية ايديولوجيا مسؤولة عن هذه النهاية؟ 


انها ايديولوجيا عقد النقص التاريخية، وحب التفوق والبقاء للأقوى. انها ايديولوجيا عقد التعويض والخوف. أيديولوجيا جنون العظمة. ايديولوجيا الأساطير المؤسسة للتمايز والعنصرية والنقاء العرقي. انها ايديولوجيا اختيار افعل التفضيل (الانقى والأفضل والأكثر والاكبر والاشرف والاقوى…الخ). 


انها نتاج مركبات النقص على انواعها، والتي لا يمكن مواجهتها الا في حملات عالمية مضادة، تحمل قيما مضادة، مبنية على التعاون بدل التنافس، وعلى التواضع بدل ادعاء التفوق، واستبدال قيم التعاطف والتراحم والتسامح بدل التزاحم والتنافس والحسد. والتخلي عن التوهم بمركزة العقلانية واعادة عقلنتها من جديد. واعادة الاعتبار لمقولة العلم من اجل العلم. ووقف ادلجة التكنولوجيا باعتبارها أداة سيطرة، واعادة استخدام وتطوير التكنولوجيا كأداة مساعدة على التآخي بين الناس ومع الطبيعة. والتراجع عن النظرة الاختزالية وإعادة الاعتبار للنظرة الكلية او الكلانية. واعتماد النظرة الدائرية بدل الخطية. ووقف الاستثمارات الاستنزافية وضمان حقوق الأجيال القادمة في المواد والموارد. وتعميم قيم السلام واللاعنف وحب الامتلاء النفسي بدلا من حب السيطرة والتملك والاستهلاك. والتحول من تأليه وتوكيد الذات الى البحث عن التكامل مع الآخر الذي نشترك معه في وحدة الحياة والوجود والمصير.



احدث المنشورات
May 26, 2025
النشرة الشهرية لشهر نيسان/أبريل - سياسات صندوق النقد الدولي: لا قاعدة ثابتة
May 17, 2025
أزمة المديونية في العالم العربي: بين السيادة المالية والحقوق الاجتماعية - زياد عبد الصمد