Jul 03, 2025
مؤتمر بون المناخي يظهر وعورة الطريق نحو COP30 في البرازيل - حبيب معلوف
حبيب معلوف
كاتب وصحافي بيئي

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
حبيب معلوف

مؤتمر بون المناخي يظهر وعورة الطريق نحو COP30 في البرازيل - حبيب معلوف


على مدى أسبوعين من الاجتماعات التحضيرية في بون في حزيران الماضي لم يستطع المجتمعون تعبيد الطريق أمام مؤتمر الأطراف الثلاثون (cop30) الذي سينعقد في بيليم البرازيلية في تشرين الثاني المقبل. فمن كان لديه بعض الآمال باتخاذ إجراءات لكي لا ترتفع درجات حرارة الأرض أكثر من درجة ونصف مئوية، خاب ظنه بعد أن وصلنا الى هذا الرقم في السنتين الأخيرتين، في وقت لم تقدم سوى 10% من الدول التزاماتها المحددة وطنيا، بعد أن تخطت الموعد الذي كان مقررا في شباط الماضي، مما يدل على ضعف الاهتمام بقضية تغير المناخ كأولوية وجودية على باقي القضايا العالمية الخطرة.


جدول أعمال متعثر: خلافات حول تمويل المناخ وتدابير التجارة


وإذا أخذنا بالاعتبار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس المناخية وغيابها عن مؤتمر بون، وتطورات الحروب الأخيرة ومآسيها (العسكرية والتجارية) وحجم الإنفاق عليها الذي ينعكس سلبا على التمويل المطلوب مناخيا، نعرف مدى الصعوبات التي تواجه هذه القضية. صحيح أن البرازيل قد أظهرت في بون مرونة كبيرة في التعامل مع ممثلي الدول المفاوضة، الا انها لم تستطع أن تأخذ تعهدات حاسمة من اي من الدول بان تقدم التزاماتها الوطنية في ايلول، قبل او في بيليم، وهو الأمر او الموضوع الأهم في قمة هذا العام وفقا لاتفاق باريس.


تعطلت الأعمال يومين في بون للاتفاق على جدول الاعمال، بالمقارنة مع العام الماضي حين انتهت المفاوضات ولم يتم الاتفاق على جدول الأعمال بشكل نهائي! هذه المرة كان السبب الاقتراح الذي تقدمت به البلدان النامية "المتشابهة التفكير" للنظر في تنفيذ التزامات الدول المتقدمة بتمويل المناخ (المادة 9.1 من اتفاقية باريس) والتدابير الأحادية الجانب المقيدة للتجارة في المناقشات. ورغم أن هذا المأزق قد تم حله في النهاية، إلا أنه حدد مسار المفاوضات القادمة. فعلى مدار أسبوعين، تكررت الخلافات بين الأطراف حول توفير وسائل التنفيذ (وهو مصطلح شامل يشمل التمويل ونقل التكنولوجيا وبناء القدرات) للعمل المناخي.


لم ينجح مؤتمر بون كالعادة في حشد التمويل من أجل التكيف كمطلب رئيسي للدول النامية من الدول المتقدمة. لا تم الاتفاق على الخطوط العريضة ولا على خطة عمل توضح كيفية توزيع الأموال التي أقرها مؤتمر الأطراف الـ 29 السابق في باكو (300 مليار بحلول العام 2035)، بالرغم من مطالبة البلدان النامية بوضع جدول زمني وإجراءات ملموسة، بدل الوعود الغامضة.



نتائج غير مؤكدة: وثائق مجزأة ولغة غامضة


لم يتم التوصل إلى أي اتفاق على الإطلاق بشأن البرنامج التنفيذ المتعلق بالتكنولوجيا، حيث تباينت وجهات نظر الأطراف حول مساهمته في تنفيذ القرار المتعلق بأول تقييم عالمي لحالة المناخ بموجب اتفاق باريس، وخاصةً فيما يتعلق بالتحول في مجال الطاقة.

في العديد من القضايا، لم تتوصل الأطراف إلى حلول، مع العلم أن الهدف كان الاستفادة من التقدم المحرز في بون ليكون أساسًا لمزيد من المشاركة في الاجتماع المقبل في بيليم.

تفاوتت درجات نضج الوثائق التي تم مناقشتها في بون، حيث اقتصر بعضها على تجميع المقترحات، بينما ذيل البعض الآخر بتعبير "نقاط توافق محتملة". وأكثر من أي وقت مضى، كانت هذه الوثائق مليئة بالتحذيرات من أنها "تتضمن آراءً متباينة"، وتعابير مثل "لم يتم الاتفاق عليها"، و"لا تعكس توافقًا في الآراء"، و"ليست شاملة"، و"ليس لها صفة رسمية"، و"قابلة للمراجعة"، و"لا تحكم مسبقًا على آراء الأطراف بشأن أي من الخيارات الواردة فيها" أو "لا تمنع الأطراف من التعبير عن أي آراء أخرى"...الخ من التعابير الغامضة وغير النهائية والتي لا تعبر عن شيء ولا عن أي تقدم في النهاية!



معضلة الوقود الأحفوري: انتقالٌ مُعَطَّلٌ بسبب المصالح


كان مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين الذي عقد في دبي قد خرج بتوصية تاريخية بضرورة "الذهاب بعيدا عن الوقود الأحفوري"، وقد فشل مؤتمر بون (كما مؤتمر باكو الماضي) في ترجمة هذا الإعلان في نصوص محددة، او على الاقل "تعزيز الصياغة" المتعلقة بكيفية الانتقال، بالنسبة الى الطاقة العالمية، من الوقود الأحفوري… وقد انتهى اجتماع بون من دون التوصل الى مسار واضح في هذه القضية التي تعتبر جوهرية لخفض الانبعاثات العالمية. كذلك الأمر بالنسبة الى المطلوب حول غاز الميتان تحديدا، لاسيما الذي يتسرب من مواقع استخراج الوقود الأحفوري، والذي اعتبر تخفيضه أسهل من خفض الكربون بشكل عام. وقد ذهب البعض الى الجزم بعد التقدم في اتجاه ترجمة إعلان الذهاب بعيدا عن الوقود الأحفوري في مؤتمر بيليم هذا العام، بسبب موقف لوبي الدول النفطية ونظرا لأن الدولة المضيفة فتحت مزادا لتنظيم قطاع النفط والتنقيب في 172 منطقة نفط وغاز تمتد على مساحة 146 ألف كلم2 معظمها في عرض البحر، بالإضافة الى 47 منطقة في حوض الأمازون في مناطق حساسة قرب مصب النهر، تعتبر أماكن واعدة بالنسبة لشركات التنقيب عن النفط والغاز!



تحدي البرازيل: تحقيق التوازن بين التنمية والعمل المناخي


فكيف ستنجح البرازيل في التوفيق بين المطالبين بالذهاب بعيدا عن الوقود الأحفوري وهي تطالب بحق البلدان النامية في استغلال احتياطياتها من الوقود الأحفوري اسوة بما فعلته البلدان المتقدمة… بالاضافة الى التوفيق بين البلدان المنتجة وتلك المستهلكة بشراهة للوقود؟ ومن يتحمل كلفة هذا الانتقال او التعويضات المطلوبة من اجل إنجاحه؟


كما لم ينجح اجتماع بون في حسم مسألة من يستضيف الكوب 31 في ظل التنافس بين استراليا وتركيا، اذ لم ينجح مؤتمر بون في دفعهما لتنازل احداهما للآخر.

كما تم بحث بعض الأمور اللوجستية، والاستعدادات للاستضافة في بيليم، مدينة الغابات المطيرة التي تقع بالقرب من مصب نهر الامازون وغير المهيأة لاستضافة مؤتمر بات يحضره مؤخرا أكثر من 60 الف شخص، بين وفود رسمية وقطاع خاص ومنظمات غير حكومية واعلام…!



المشهد السياسي العالمي: فراغات القيادة وتصاعد التوترات


لم يبق سوى أربعة أشهر فقط على انعقاد القمة العالمية الحاسمة في بيليم، ولا تزال استجابة دول العالم لأزمة المناخ في حالة من الغموض والاضمحلال، وقد ظهر في بون أن الاتحاد الأوروبي بدأ محاولة سبق أن مارسها في مراحل سابقة، بأخذ مكان الولايات المتحدة الأمريكية لدفع المفاوضات، بينما ذهب البعض للتأمل بان الوضع سيكون أفضل من دون الولايات المتحدة الأميركية التي كانت تقود العرقلة بدل أن تقود اطر التعاون، اسوة بما تتهم به البلدان النفطية.


انطلاقا من ذلك، من المرجح أن تتفاقم ازمة المناخ وازمة التفاوض معا. ففي العامين الماضيين، وللمرة الأولى، ارتفعت درجات حرارة الأرض العالمية إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، متجاوزةً الحد الذي وعدت الحكومات بالالتزام به في اجتماعات المناخ المتعددة.


كان لانسحاب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من اتفاقية باريس للمناخ ردة فعل سلبية بالطبع على مفاوضات المناخ، لاسيما انها ارفقت بإصراره على توسيع نطاق استخدام الوقود الاحفوري وتفكيك جهود خفض الانبعاثات. في وقت حصل بعض التراجع في خطط الاتحاد الأوروبي الخضراء واخذ الموضوع المناخي جدلاً حاداً حول خططه. في وقت أعلنت الصين، أكبر مصدّر لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم، عن أهداف مناخية ضعيفة جدا مقارنة مع انبعاثاتها. كل ذلك يأتي في ظل جو من الحروب شبه العالمية، عسكرية وتجارية، مدمرة من جهة، وتحرف الانتباه عن قضية تغير المناخ وكوارثها من جهة اخرى. مع العلم بالقاعدة الشهيرة التي تقول كلما زاد الإنفاق على الدفاع زاد التراجع عن الانفاق على المناخ، بالإضافة الى زيادة الانبعاثات والتلوث. مع العلم أيضا أن كل زيادة في ارتفاع درجات الحرارة يقترب العالم من نقطة اللاعودة وتستجلب النار والحرائق المزيد من النار والاحترار العالمي والكوارث المناخية.


ستكون المساهمات المحددة وطنيا او الخطط الوطنية للانبعاثات محورَ قمة بيليم. هذه الخطط هي أساس اتفاقية باريس، وهي لا تقتصر على تحديد الأهداف العامة لمدى عزم الحكومات على خفض الانبعاثات خلال العقد المقبل، بل تُشير أيضًا إلى التدابير التي يُمكن اتخاذها في مختلف القطاعات لتحقيق هذه الأهداف، مثل تعزيز الطاقة المتجددة وتحسين الكفاءة او التكيف مع الظواهر المناخية المتطرفة. وتحاول الرئاسة البرازيلية لمؤتمر المناخ حث الحكومات على الانتهاء من مساهماتها المحددة وطنيا بحلول أيلول، حتى تتمكن الأمم المتحدة من تقييمها قبل بدء قمة كوب 30 المقررة في تشرين الثاني. مع العلم أن تعداد الدول التي تقدم والتي لا تقدم تلك "المساهمات" ليس معيارا للتقييم، كون هذه المساهمات اختيارية وليست الزامية، وكونها يمكن أن لا تكون واقعية إذا لم نقل مضللة. بالرغم من ذلك، قد تكون اتجاهات بعض الدول الكبرى معيارية.


ستكون الصين الأكثر ترقبًا. ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مُصدر للغازات الدفيئة. فهي اذ اصبحت الاولى في انتاج الطاقات المتجددة في العالم، ولكنها لا تزال الاولى في استخدام الفحم الحجري في التصنيع. فهي اذ تتوق أن تتضاعف قدرتها على توليد الطاقة المتجددة بحلول العام 2030 مقارنة بمستويات العام 2022، لا تزال توافق على إنشاء محطات طاقة جديدة تعمل على الفحم والاستثمار في التعدين!


كذلك حدد الاتحاد الأوروبي هدفه الكربوني للعام 2040، الذي من المتوقع أن يتضمن خفضًا في انبعاثات الكربون بنسبة 90% على الأقل مقارنةً بمستويات عام 1990. ولكن هذا الهدف لا يزال مدار نقاش حاد ومرتبط بمدى القبول بتبادل ارصدة الكربون مع دول اخرى، وهي حيلة تم إقرارها في بروتوكول كيوتو العام 1997 والتي لم تنجح في خفض انبعاثات الدول المتقدمة، ولا دفعت الدول النامية لتغيير سياساتها الطاقوية او تخفيض انبعاثاتها.


بالإضافة الى ذلك، لا تزال دول أخرى كبرى في انبعاثاتها، مثل الهند واليابان وكندا وروسيا، لم تُقدّم خططها بعد. وهي بالطبع لم تخرج مثل غيرها عن سياساتها المتناقضة على الطريقة الصينية ايضا.

المملكة المتحدة قدمت مساهمات طموحة إلى حد ما، تهدف إلى خفض الانبعاثات بنسبة 81% بحلول عام 2035 مقارنةً بمستويات عام 1990. إلا أنها لم توقف مشاريع التنقيب ايضا ولا تمويل الوقود الاحفوري.


ثم تجدر الاشارة أن الحاجة الى مساهمات لخفض الانبعاثات على المدى القصير وليس البعيد. اذ يتطلب البقاء ضمن حدود 1.5 درجة مئوية تخفيضات جذرية وسريعة في آن. لم يتم تحديث اي من المساهمات المحددة وطنياً المطروحة أرقام عام 2030. في وقت زادت الحرارة درجة ونصف العام الماضي وهذا العام!


سيكون من الصعب تحقيق تقدم في موضوع التمويل في البرازيل هذا العام بعد انسحاب الولايات المتحدة من تمويل المناخ وغيرها من أشكال المساعدات الخارجية. تطالب الدول الفقيرة بخطط ملموسة لكيفية الوصول إلى التدفقات المالية، وتعمل البرازيل مع أذربيجان، الدولة المضيفة للمؤتمر العام الماضي، على "خارطة طريق من باكو إلى بيليم" المقرر إطلاقها تشرين الأول، قبيل انعقاد الكوب 30. الا أن كل ذلك لن ينفع في احراز اي تقدم على أي صعيد طالما بقيت أسس المفاوضات هي نفسها ولم تتطرق الى كيفية تغيير اقتصاد السوق المسيطر وضبط المنافسة في الأسواق على كل شيء والتي تطيح والموارد والمناخ معا.



استراتيجية البرازيل في مؤتمر الأطراف الثلاثين: البحث عن الحلول وسط خيبة الأمل


في مؤتمر بون، لم يكن واضحا أين يمكن مناقشة مسألة التحول عن الوقود الأحفوري في جدول أعمال مؤتمر الأطراف الثلاثين، ويبدو أن الرئاسة البرازيلية محرجة في هذا الملف الذي تم تجاهله في الكوب 29 ايضا. وعلى الرغم من الإحباطات التي سادت خلال الأسبوعين الأخيرين من المحادثات التمهيدية، حاولت الرئاسة البرازيلية أن تعوض برنامج الكوب 30 بعقد جلسات تضم رؤساء مؤتمر الأطراف السابقين منذ إبرام اتفاقية باريس عام 2015، وجلسة تضم وزراء المالية من جميع أنحاء العالم، ومجموعة من الاقتصاديين. كما تخصص محورا للسكان الأصليين، مع "تقييم أخلاقي عالمي" يهدف إلى عكس مخاوفهم، بمشاركة وزيرة البيئة البرازيلية، مارينا سيلفا، ونشطاء مناخ، ذكر منهم ماري روبنسون، الرئيسة السابقة لإيرلندا. كما وضعت البرازيل "أجندة عمل" لتتبع التقدم المحرز في مبادرات مؤتمرات الأطراف السابقة، وإبراز القضايا الرئيسية المتعلقة بأزمة المناخ، مثل الغذاء والزراعة، والغابات والطبيعة، والمياه، والمحيطات، والعدالة الاجتماعية، والإنصاف.



احدث المنشورات
Jun 27, 2025
النشرة الشهرية لشهر أيار/مايو 2025 - الحق في المياه في المنطقة العربية: نضال من أجل العدالة
Jun 25, 2025
الكوتا: قَلَقٌ يُذكِّرُني بأبي – منار زعيتر