Jul 24, 2025
أصوات عربية حول نتائج مؤتمر تمويل التنمية - حسن شري
حسن شرّي
أستاذ مساعد

الرجاء الضغط هنا لنبذة والمنشورات
حسن شرّي
نتائج مؤتمر تمويل التنمية الرابع من منظور المجتمع المدني العرب- حسن شرّي

نتائج مؤتمر تمويل التنمية الرابع من منظور المجتمع المدني العربي - حسن شرّي


اختتمت منظمات المجتمع المدني مشاركتها في المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية (FfD4)، الذي عُقد في إشبيلية بين 30 يونيو و3 يوليو 2025، مؤكدةً أن نتائج المؤتمر الرسمي، رغم بعض الخطوات الإيجابية الجزئية، لم ترقَ إلى مستوى التطلعات. سواء في النقاشات التي شهدها المؤتمر أو في الوثيقة النهائية الرسمية "التزام إشبيلية" (El Compromiso de Sevilla). فإن ما خلُص إليه المؤتمر لم يستجب لحجم التحديات العالمية المتفاقمة، بما في ذلك تصاعد التفاوتات، وأعباء الديون غير المستدامة في دول الجنوب، واستمرار التهرّب الضريبي والتدفقات المالية غير المشروعة، وتفاقم الأزمات المناخية والبيئية، والعجز عن توفير العمل اللائق، في ظل تقلص الحيز المدني وتصاعد النزعة العسكرية وتزايد الإنفاق المرتبط بها، مقابل تراجع المساعدات الإنمائية وتخلّي الدول الغنية عن التزاماتها. ويأتي ذلك في وقت تُظهر فيه مؤشرات أهداف التنمية المستدامة ركودًا وتراجعًا في مسار تحقيقها.


إن المنطقة العربية غير معزولة عن هذه التحديات، بل هي تقع في صلبها، إذ إن 14 دولة لم تحقق حتى الآن هدفًا واحدًا من أهداف التنمية المستدامة. وتشير التقديرات الى أنه من شأن غياب التقدم، أن يمدد الموعد النهائي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في العام 2030 لمدة 60 عامًا إضافية. لذلك، فإن هذه القضايا ليست فقط تقنية أو اقتصادية، بل تمس جوهر العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان، وإن غياب التغيير المنشود في النظام المالي والاقتصادي العالمي يعني أن دول المنطقة، كما الكثير من دول الجنوب العالمي، ستظل تواجه ضغوطاً مالية واقتصادية واجتماعية تعيق التنمية العادلة والمستدامة.


أبرز الملاحظات حول النتائج

أبرز ما يميّز نتائج مؤتمر FfD4 هو غياب التقدّم الجوهري في القضايا البنيوية الأهم، حيث لم يتم إحراز أي خطوة ملموسة نحو إنشاء آلية دولية عادلة وشفافة لمعالجة أزمات الديون، رغم تصاعد الحاجة لذلك، خاصة في دول الجنوب والمنطقة العربية، التي لا تزال خاضعة لآليات يقودها الدائنون تُقوّض فرص التنمية العادلة. كما أن المؤتمر، رغم الترحيب بقرار الجمعية العامة إطلاق مفاوضات بشأن اتفاقية دولية للتعاون الضريبي، لم يوفّر الدعم السياسي والتمويلي المطلوب لهذا المسار، وسط انسحاب عدد من الدول المؤثرة في النظام المالي العالمي. كذلك، لم يُحرز المؤتمر أي تقدّم على صعيد إصلاح الحوكمة في صندوق النقد والبنك الدولييْن، بما يضمن تمثيلاً أكثر عدالة للدول النامية، وهو ما يبقي موازين القوة في النظام المالي العالمي على حالها. أما في ما يخص النظام التجاري العالمي، فقد عجز المؤتمر، تحت ضغط دول الشمال، عن الدفع نحو إصلاحات جوهرية رغم الحاجة الملحة لإطار عادل تقوده الدول النامية، حيث تم تغييب مقترحات أساسية مثل إصلاح آلية تسوية النزاعات (ISDS)، والمعاملة التفضيلية، والتحكم في تجارة المعادن الحرجة، دون معالجة تصاعد الإجراءات التجارية الأحادية، التي تقوّض السيادة الاقتصادية والحيز المالي في دول الجنوب.


نداء المجتمع المدني في المنطقة العربية: دعوة إلى المناصرة

التحديات التي تواجهها المنطقة ودول الجنوب هي بطبيعتها تحديات بنيوية، ويُعاد إنتاجها من خلال التصميم غير العادل للنظام المالي والاقتصادي العالمي القائم. والتغلّب على هذه التحديات هو خيار سياسي يتطلّب التزامًا ثابتًا من مختلف أصحاب المصلحة، لا سيما المجتمع المدني، بمبادئ العدالة والمساواة والديمقراطية والرفاه العام للمجتمعات.


ورغم أن مؤتمر إشبيلية لم يُحقق النتائج المرجوة، فقد أعاد إحياء عزيمة المجتمع المدني على الدفع نحو إصلاحات جذرية في النظامين المالي والتجاري العالميين. وفي هذا السياق، تدعو منظمات المجتمع المدني في المنطقة العربية إلى تعزيز وتوسيع التعبئة الإقليمية وربطها بالحركات العالمية للدفع نحو إصلاحات بنيوية في الحوكمة الاقتصادية العالمية، بما يضع العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان في صميم أجندة تمويل التنمية. ويشمل ذلك دعم المفاوضات الجارية نحو اتفاقية أممية للتعاون الضريبي الدولي لبناء نظام ضريبي عالمي أكثر عدالة وشمولًا، والمطالبة باتفاق ملزم للأمم المتحدة بشأن الديون يضمن آلية متعددة الأطراف لمعالجة الأزمات.


وتُشدد منظمات المجتمع المدني في المنطقة كذلك على أهمية الدفع نحو تنظيم دور القطاع الخاص، لا سيما الشركات متعددة الجنسيات، من خلال اتفاقيات ملزمة وأطر فعالة للمساءلة، ورفض الحلول الاقتصادية التقليدية المبنية على منطق السوق وحده. وعليه، ينبغي إعادة النظر في آليات تسوية النزاعات بين المستثمرين والدول (ISDS)، التي تعيق السياسات الوطنية، ورفض نماذج الخصخصة والتنمية القائمة على الربح، لصالح تعزيز الاستثمار العام في الخدمات الأساسية والحماية الاجتماعية.


وأخيرًا، يُجدّد المجتمع المدني، كما ورد في "الإعلان الصادر عن منتدى المجتمع المدني (FfD4)" في إشبيلية، على أهمية الدعوة إلى عقد مؤتمر خامس لتمويل التنمية (FfD5) في عام 2030، بهدف مواصلة الضغط نحو نظام تمويل أكثر تقدمية وشمولًا. وتحقيق هذا الهدف يستدعي بالضرورة حماية الحيّز المدني من القيود المتزايدة، وضمان مشاركة فاعلة ومنظّمة للمجتمع المدني في جميع آليات صنع القرار.



احدث المنشورات
Jul 25, 2025
النشرة الشهرية لشهر حزيران/يونيو 2025 -الجنوب العالمي من إشبيلية: إعادة النظر في الديون والتمويل والتنمية
Jul 24, 2025
فشل المؤتمرات الدولية وتمويل التنمية: آن أوان البحث عن حلول من الداخل - زياد عبد الصمد