
فشل المؤتمرات الدولية وتمويل التنمية: آن أوان البحث عن حلول من الداخل - زياد عبد الصمد
زياد عبد الصمد
فشل المؤتمرات الدولية وتمويل التنمية: آن أوان البحث عن حلول من الداخل - زياد عبد الصمد
في ظل انسداد أفق المبادرات الأممية وغياب الإرادة الدولية، هل لا تزال الدول النامية، والمنطقة العربية تحديدًا، تراهن على شركاء الخارج؟
انعقد المؤتمر الدولي الرابع حول تمويل التنمية، ولم يكن مستغربًا أن لا يصل المؤتمرون إلى النتيجة المرجوة في معالجة التحديات التي تواجه العالم اليوم. فالفشل بات مصيرًا متكررًا للمبادرات الدولية في مختلف المجالات: من مفاوضات المناخ حيث تتهرب الدول الصناعية من مسؤولياتها التاريخية عن الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، إلى مفاوضات التجارة الحرة التي وصلت إلى طريق مسدود نتيجة تمسّك هذه الدول بمصالحها، واضعةً الشركات المتعددة الجنسيات في صلب أولوياتها. كما أن الدول الصناعية نفسها كانت وراء إفشال "قمة المستقبل" التي انعقدت في صيف 2024 لمعالجة التحديات العالمية في مجالات التنمية، المناخ، الذكاء الاصطناعي، والأمن والسلم الدوليين.
من هذا المنطلق، لم يكن فشل مؤتمر تمويل التنمية مفاجئًا لدى المتابعين، وإن كان قد طرح قضايا حيوية كان يجب التعامل معها بجدية ومسؤولية، كونها تشكّل عوائق أساسية أمام الدول النامية في سعيها لتحقيق العدالة الاجتماعية والأمن الاجتماعي. ومن بين هذه التحديات: أزمة الديون التي ترهق كاهل تلك الدول، والنظام التجاري غير العادل الذي يسهل سيطرة الشركات المتعددة الجنسيات ويحدّ من فرص نمو الدول النامية، إلى جانب تقليص المساعدات الدولية بسبب ارتفاع الإنفاق العسكري والحروب، ما أدى إلى مزيد من الهشاشة والتبعية.
أمام هذه الصورة القاتمة، لا بد من البحث عن حلول خارج الصندوق، تُخرج العالم النامي من دوامة الفقر والعجز والتخلّف. أولى هذه الخطوات هي وعي الدول النامية لأهمية التنسيق فيما بينها وتعزيز التعاون جنوب-جنوب، بما يساهم في تعديل ميزان القوى لصالحها، ليس فقط في المفاوضات الدولية، بل أيضًا في الوصول إلى الأسواق والحد من هيمنة الشركات العملاقة والدول الكبرى على حساب رفاهية وحقوق شعوب العالم.
ولا يكفي إعلان النوايا لتعزيز هذا التعاون، بل المطلوب خطوات ملموسة تبدأ بمعالجة الخلافات والنزاعات البينية التي تغذيها مصالح خارجية، وتُبقي المنطقة في دوامة العنف وعدم الاستقرار، ما يصبّ في مصلحة الدول الصناعية ويزيد من مآسي شعوب الجنوب.
أما بالنسبة إلى المنطقة العربية، التي تنهكها التحديات بمختلف أشكالها – من نزاعات مسلحة، إلى الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وأراضٍ عربية – فإن المطلوب توحيد جهود دول المنطقة وتفعيل المبادرة العربية للسلام، وتعديل ميزان القوى من خلال الدبلوماسية والعمل السياسي والشعبي في داخل هذه البلدان وتغيير الواقع الجيوسياسي. وهذا لا يتحقق إلا من خلال تعاون سياسي واقتصادي حقيقي، وبناء دول تقوم على المواطنة وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. فلا جدوى من انتظار الحلول من الخارج، بل يجب أن تنبع من الداخل، عبر تعاون إقليمي جاد ومستدام.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال دور المجتمع المدني الذي يبقى لاعبًا أساسيًا في التأثير على السياسات العامة، خاصة إذا ما تمكّن من تنظيم صفوفه على أساس رؤية واضحة وأهداف محددة. ولا بد من أخذ تنوّع الفضاء المدني بعين الاعتبار، حيث نجد قوى تقليدية ومحافظة تخشى التغيير، وأخرى ارتبطت مصالحها بمصالح السلطة، غير أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الأغلبية الصامتة من المواطنين، الذين يدفعون ثمن الأزمات من أرواحهم وحقوقهم. ورغم تقلّص الفضاء المدني في المنطقة العربية كما في سائر مناطق العالم، فإن أهمية الدور المطلوب منه تبقى قائمة، لتعديل موازين القوى لصالح بناء الدولة، وسيادة القانون، وحماية الحقوق. إن حماية هذا الفضاء من القمع والاستبداد، وتفعيل الحوار، والترويج لقيم احترام الرأي الآخر والتعاون والتضامن، هو السبيل لإحداث التوازن داخل المجتمع وتغيير المعادلات.
وفي ظل هذه التعقيدات على الساحة الدولية وتعثر الآليات الأممية، تظهر بعض المبادرات البديلة التي تستحق التوقف عندها. فقد اجتمع مؤخرًا عدد من قادة الدول – من بينهم رؤساء البرازيل وإسبانيا والأوروغواي – في تشيلي، لبحث سبل تعزيز الديمقراطية عالميًا ومواجهة خطاب الكراهية والتطرّف. وقد تمخض الاجتماع عن قرار تأسيس شبكة من البلدان والمجتمع المدني لتطوير آليات التعاون والتبادل، بما يعزز مبادئ المواطنة ويساهم في حماية الديمقراطية. كما أكد المجتمعون على التزامات مؤتمر تمويل التنمية كخطوة إيجابية، وتوافقوا على متابعة اللقاءات، على أن يُعقد الاجتماع المقبل على هامش الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، بمشاركة 20 دولة بما فيها المكسيك وجنوب افريقيا، بهدف تعبئة الجهود والطاقات للدفاع عن الديمقراطية ومكافحة التطرف.
هذه المقالة جزء من نشرة الشبكة حول اجتماعات تمويل التنمية في إشبيلية.
احدث المنشورات
