

مؤتمر إشبيلية: "أنت وحدك، يا بني - روبرتو بيسيو
أنت وحدك، يا بني ...
نعم، يمكنك مواجهة كل هذا ...
أنت وحدك، يا بني...
كنت كذلك دوما، منذ البداية.
تايلور سويفت
في اليوم الثالث من شهر يوليو/ تموز الماضي، في اشبيلية وخلال حفل اختتام المؤتمر الدولي الرابع لتمويل التنمية، ألقت نائبة الأمين العام للأمم المتحدة أمينة محمد بياناً صارخاً قالت فيه:
«... لقد كانت مهمة التنمية المستدامة جامعة بين الدول، فوحدت صفوفها على مدى عقود من الزمن. ورغم ذلك، تواجه التنمية اليوم وممكنها الأعظم - التعاون الدولي - رياحاً معاكسة هائلة.
لقد تجلّت العواقب الإنسانية بشكل حاد وملموس خلال الأيام الأربعة الماضية، هذه العواقب الناجمة عن أعباء الديون المتزايدة، وتصاعد التوترات التجارية، والتخفيضات الحادة في المساعدة الإنمائية الرسمية.
وبالمثل، نحن ندرك تماما الأضرار الجانبية التي يمكن أن تحدثها الأولويات الحكومية المتنافسة على تمويل التنمية، وأنه لم يعد بالإمكان اعتبار الدعم العالمي للتنمية المستدامة أمراً مسلماً به».1
وبما أن عملها يقتضي تعزيز الثقة في النظام المتعدد الأطراف للأمم المتحدة، فقد وجدت في ذلك بعض العزاء، إذ أن الوثيقة الختامية "تجدد التأكيد على الالتزامات التي تم التعهد بها في أديس أبابا قبل عشر سنوات، وتسعى إلى إحياء روح الأمل المتجسدة في أهداف التنمية المستدامة".
إن التمسك بالتزامات قديمة لم يتم الوفاء بها قط، يعتبر تعويضاً ضعيفاً عن عدم إحراز أي تقدم جوهري في القضايا الرئيسية لجدول أعمال تمويل التنمية.
أما فيما يتعلق بالمساعدة الإنمائية الرسمية، فقد التزم المؤتمر بـ "عكس الاتجاهات المتناقصة" (الفقرة 36 ب) وأكد مجددًا التزام "معظم البلدان المتقدمة" القائم منذ خمسين سنة (لم توافق الولايات المتحدة مطلقًا على هذا الهدف) بتحقيق 0.7٪ من الدخل القومي الإجمالي للمساعدة الإنمائية الرسمية المقدمة إلى البلدان النامية وما بين 0.15 و0.2 في المائة إلى أقل البلدان نمواً.2
المشكلة هي أنه لم يتم الوصول إلا إلى نصف هذا الهدف في نصف قرن منذ تقديم الالتزام لأول مرة، وقد تم الإعلان عن تخفيضات كبيرة في ميزانيات المساعدة التي تقدمها كل من الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا، من بين دول أخرى. ويحدث هذا بالتزامن مع ازدواجية الميزانيات العسكرية الأوروبية التي يجب أن تصل إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي في معظم أنحاء أوروبا، باستثناء إسبانيا، الدولة المضيفة للقمة.
فيما يتعلق بالديون الخارجية، تقر الوثيقة الختامية بأن "تحديات الديون السيادية أصبحت واحدة من أكبر العقبات أمام تحقيق التنمية المستدامة" (الفقرة 47)، ولكن بدلاً من البدء في العمل على آلية لتسوية الديون السيادية كما طلبت البلدان النامية، فإنها تعد بشكل غامض بـ "الشروع في عملية حكومية دولية في الأمم المتحدة، بهدف تقديم توصيات لسد الثغرات في هيكل الديون واستكشاف خيارات لمعالجة استدامة الديون" (الفقرة 50 و).
فيما يتعلق بالتجارة، يقر "Compromiso de Sevilla" (وهو عنوان يُترجم إلى "التزام إشبيلية"، حتى عندما أصر العديد من النقاد بسخرية على تسميته "تسوية") بأن "القيود التجارية، بما في ذلك التعريفات الجمركية غير المتوافقة مع قواعد منظمة التجارة العالمية ومبادئها والتزاماتها، آخذة في الارتفاع على مستوى العالم وسط تصاعد التوترات التجارية وتعثر المفاوضات المتعددة الأطراف". يعقد المؤتمر الدعوات المعتادة (والتي من المرجح أن تكون غير فعالة) لاحترام الالتزامات القديمة، وفي أحد القرارات الملموسة القليلة، يدعم "تحديث وتعديل اتفاقيات الاستثمار القديمة" ويدعو إلى "إنشاء مركز استشاري حول تسوية منازعات الاستثمار الدولية"، بهدف دعم البلدان الراغبة في إصلاح آليات تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول في اتفاقيات التجارة والاستثمار.
وفيما يتعلق بالهيكلة المالية الدولية، أقر المؤتمر مرة أخرى بضرورة إصلاحها، لكنه تجنّب التأكيد على دور رئيسي للأمم المتحدة، في ضمان توافق قرارات مؤسسات بريتون وودز مع حقوق الإنسان والمبادئ الإنمائية، من خلال التأكيد مجددًا على "الاحترام الكامل لصلاحيات وأجهزة الحوكمة الخاصة بالمؤسسات الدولية المختلفة". بما أن الولايات المتحدة تتمتع بحق النقض (الفيتو) في هذه المؤسسات، فإن جميع "التشجيعات" الموجهة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أجل ضمان المزيد من القوة التصويتية للبلدان الناشئة محكوم عليها بالفشل.
أخيرًا، فيما يتعلق بالشؤون المالية المحلية، فقد ألزم المؤتمر الحكومات، إدراكًا منه لأهمية الأنظمة الضريبية العادلة والتصاعدية لتعبئة الموارد على الصعيد الوطني، "بالمشاركة البنّاءة في المفاوضات المتعلقة باتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التعاون الضريبي الدولي"، استجابةً للمطالب التي بادرت بها البلدان الأفريقية ... لكنه تجنب الإقرار على قدم المساواة بعملية التفاوض في مجلس حقوق الإنسان بشأن وضع صك قانوني ملزم يتعلق بالشركات عبر الوطنية وحقوق الإنسان. وقد تم تحديد الشركات المؤسسة قانونيًا على أنها المصدر الرئيسي للتدفقات المالية غير المشروعة الخارجة من إفريقيا، بكميات تتجاوز بكثير المبلغ الإجمالي المتلقى كمساعدة إنمائية رسمية.
بقاء التعددية
لقد جادل العديد من المعلقين بأن التوصل إلى اتفاق توافقي يمثل، في حد ذاته، إنجازاً كبيراً للنظام المتعدد الأطراف، في لحظة تحاول فيها قلة من البلدان فرض إرادتها بوضوح على الآخرين، مستخدمة قوتها العسكرية أو الاقتصادية أو مزيجاً من الاثنين معاً.
في الواقع، لم يكن الإجماع ممكناً إلا عندما قررت الولايات المتحدة، بعد رفض النص برمته، التخلي عن العملية في اللحظة الأخيرة، بدلاً من الدعوة للتصويت. وفقاً لبوميكا موشالا من شبكة العالم الثالث (TWN)، "فقد تم الإبلاغ علنًا عن دور الولايات المتحدة في المفاوضات، من حيث قيامها بالعرقلة العدوانية وحذف فقرات كاملة من الوثيقة"، بينما كان الاتحاد الأوروبي ووفود البلدان المتقدمة الأخرى، مثل أستراليا ونيوزيلندا وكندا واليابان والمملكة المتحدة، يقودون أيضاً السباق نحو القاع أثناء المفاوضات ولكن بشكل أقل وضوحاً.3
دون أي نتيجة جوهرية على أي جبهة ودون العثور على تحالفات داخل الشمال العالمي، فإن الرسالة للبلدان النامية تتلخص في تلك الأغنية الشعبية لتايلور سويفت: "أنت وحدك، يا بني!" ما يبقى أن نراه هو ما إذا كان الجنوب العالمي، مثل المغنية، سيكون قادراً على تجنب الوقوع في اليأس وإدراك أنه من خلال توحيد القوى "يمكنك مواجهة هذا!"
المراجع:
- بيان نائبة الأمين العام في اختتام مؤتمر تمويل التنمية
- وثيقة المؤتمر (EN) / وثيقة المؤتمر (AR)
- تحليل شبكة العالم الثالث (TWN)
هذه المقالة هي جزء من النشرة للشبكة حول اجتماعات تمويل التنمية في إشبيلية.
احدث المنشورات

النشرة الشهرية لشهر حزيران/يونيو 2025 -الجنوب العالمي من إشبيلية: إعادة النظر في الديون والتمويل والتنمية
